المصّدِّقين والمصدقات : بالتشديد هم المنفقون في سبيل الله .
والله سبحانه يجازي كلَّ إنسان بعمله ، فالمتصدّقون والمتصدقات الذي ينفقون في سبيل الله بنفوس سخيّة طيبة ، يضاعفُ الله لهم ثوابَ ذلك ، وفوق المضاعَفة لهم أجرٌ كريم عنده يوم القيامة .
قرأ ابن كثير وأبو بكر : إن المصَدقين والمصدقات بفتح الصاد من غير تشديد . والباقون : بالتشديد .
{ 18-19 } { إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ *وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }
{ إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ } بالتشديد أي : الذين أكثروا من الصدقات الشرعية ، والنفقات المرضية ، { وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } بأن قدموا من أموالهم في طرق الخيرات ما يكون مدخرا لهم{[986]} عند ربهم ، { يُضَاعَفُ لَهُمُ } الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة ، { وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } وهو ما أعده الله لهم في الجنة ، مما لا تعلمه النفوس .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"إنّ المُصّدّقِينَ وَالمُصّدّقاتِ "اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار، خلا ابن كثير وعاصم بتشديد الصاد والدال، بمعنى أن المتصدّقين والمتصدّقات، ثم تُدغم التاء في الصاد، فتجعلها صادا مشدّدة... وقرأ ابن كثير وعاصم «إنّ المُصَدّقِينَ والمُصَدقاتِ» بتخفيف الصاد وتشديد الدال، بمعنى: إن الذين صدقوا الله ورسوله. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان صحيح معنى كلّ واحدة منهما فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب...
فتأويل الكلام إذن على قراءة من قرأ ذلك بالتشديد في الحرفين: أعني في الصاد والدال، أن المتصدّقين من أموالهم والمتصدّقات "وأقْرَضُوا للّهِ قَرْضا حَسَنا" يعني بالنفقة في سبيله، وفيما أمر بالنفقة فيه، أو فيما ندب إليه "يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أجْرٌ كَرِيمٌ" يقول: يضاعف الله لهم قروضهم التي أقرضوها إياه، فيوفيهم ثوابها يوم القيامة، "وَلَهُمْ أجْرٌ كَرِيمٌ" يقول: ولهم ثواب من الله على صدقهم، وقروضهم إياه كريم، وذلك الجنة.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
(وأقرضوا الله قرضا حسنا) قيل: لا تكون الصدقة قرضا حسنا حتى تجتمع فيها خصال: أولها: أن تكون من حلال، وأن يعطيها طيبة بها نفسه، وأن لا يتبعها منا ولا أذى، وأن يتيمم الجيد من ماله لا الخبيث والرديء، وأن يعطيها ابتغاء وجه الله لا مراءاة للخلق، وأن يخرج الأحب من ماله إلى الله تعالى، وأن يتصدق وهو صحيح يأمل العيش ويخشى الفقر، وأن لا يستكثر ما فعله بل يستقله، وأن يتصدق بالكثير.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{المصدقين} المتصدّقين. وقرىء على الأصل «والمصدّقين». من صدق، وهم الذين صدقوا الله ورسوله يعني المؤمنين.
فإن قلت: علام عطف قوله {وَأَقْرِضُواُ}؟ قلت: على معنى الفعل في المصدّقين؛ لأنّ اللام بمعنى الذين، واسم الفاعل بمعنى أصدّقوا، كأنه قيل: إنّ الذين أصدّقوا وأقرضوا. والقرض الحسن: أنّ يتصدق من الطيب عن طيبة النفس وصحة النية على المستحق للصدقة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{إن المصدقين} أي العريقين في هذا الوصف من الرجال {والمصدقات} أي من النساء بأموالهم على الضعفاء الذين إعطاؤهم يدل على الصدق في الإيمان لكون المعطى لا يرجى منه نفع دنيوي، ولعله أدغم إشارة إلى إخفاء الصدقات، وقراءة أُبَيّ رضي الله عنه بالإظهار ترشد إلى الإكثار من الصدقة حتى تصير ظاهرة...ولما كانت صيغة التفعل تدل على التكلف حثاً على حمل النفس على التطبع بذلك حتى يصير لها خلقاً في غاية الخفة عليها فقال عاطفاً على صلة الموصول في اسم الفاعل معبراً بالماضي بعد إفهام الوصف الثبات دلالة على الإيقاع بالفعل عطفاً على ما تقديره موقعاً ضميراً المذكر على الصنفين تغليباً الذين صدقوا إيمانهم بالتصدق
{أجر كريم} أي لا كدر فيه بانقطاع ولا قلة ولا زيادة بوجه من الوجوه أصلاً.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إن المتصدقين والمتصدقات لا يتفضلون على آخذي الصدقات، ولا يتعاملون في هذا مع الناس. إنما هم يقرضون الله ويتعاملون مباشرة معه. فأي حافز للصدقة أوقع وأعمق من شعور المعطي بأنه يقرض الغني الحميد، وأنه يتعامل مع مالك الوجود؟ وأن ما ينفقه مخلف عليه مضاعفا؛ وأن له بعد ذلك كله أجرا كريما؟...
قوله تعالى : " إن المصدقين والمصدقات " قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم بتخفيف الصاد فيهما من التصديق ، أي المصدقين بما أنزل الله تعالى . الباقون بالتشديد أي المتصدقين والمتصدقات فأدغمت التاء في الصاد ، وكذلك في مصحف أُبَيّ . وهو حث على الصدقات ، ولهذا قال : " وأقرضوا الله قرضا حسنا " بالصدقة والنفقة في سبيل الله . قال الحسن : كل ما في القرآن من القرض الحسن فهو التطوع . وقيل : هو العمل الصالح من الصدقة وغيرها محتسبا صادقا . وإنما عطف بالفعل على الاسم ؛ لأن ذلك الاسم في تقدير الفعل ، أي إن الذين تصدقوا وأقرضوا " يضاعف لهم " أمثالها . وقراءة العامة بفتح العين على ما لم يسم فاعله . وقرأ الأعمش " يضاعفه " بكسر العين وزيادة هاء . وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب " يضعف " بفتح العين وتشديدها . " ولهم أجر كريم " يعني الجنة .
{ إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم }
{ إن المصَّدقين } من التصديق أدغمت التاء في الصاد ، أي الذين تصدقوا { والمصَّدقات } اللاتي تصدقن وفي قراءة بتخفيف الصاد فيهما من التصديق والإيمان { وأقرضوا الله قرضاً حسناً } راجع إلى الذكور والإناث بالتغليب وعطف الفعل على الاسم في صلة أل لأنه فيها حل محل الفعل ، وذكر القرض بوصفه بعد التصدق تقييد له { يضاعف } وفي قراءة يضعف بالشديد ، أي قرضهم { لهم ولهم أجر كريم } .