صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ} (8)

{ وإذا الموءودة } أي المدفونة حية{ سئلت بأي ذنب قتلت } وكان الرجل في الجاهلية يئد ابنته فيدفنها حية ، ويهيل عليها التراب حتى تموت خشية العار أو الإملاق ؛ فجاء الإسلام بتحريم ذلك تحريما قاطعا .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ} (8)

{ وإذا الموؤودة } وهي الجارية تدفن حيه { سئلت }

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ} (8)

قوله تعالى : " وإذا الموؤودة سئلت ، بأي ذنب قتلت " الموؤودة المقتولة ، وهي الجارية تدفن وهي حية ، سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب ، فيؤودها أي يثقلها حتى تموت ، ومنه قوله تعالى : " ولا يؤوده حفظهما " [ البقرة : 255 ] أي لا يثقله ، وقال متمم بن نويرة :

وموؤودة مقبورة في مفازةٍ *** بآمتِها موسودة لم تُمهَّدِ

وكانوا يدفنون بناتهم أحياء لخصلتين : إحداهما : كانوا يقولون إن الملائكة بنات الله ، فألحقوا البنات به . الثانية : إما مخافة الحاجة والإملاق ، وإما خوفا من السبي والاسترقاق . وقد مضى في سورة " النحل " هذا المعنى ، عند قوله تعالى : " أم يدسه في التراب " [ النحل : 59 ] مستوفى . وقد كان ذوو الشرف منهم يمتنعون من هذا ، ويمنعون منه ، حتى افتخر به الفرزدق ، فقال :

ومنا الذي مَنَعَ الوائداتِ *** فأحيا الوئيد فلم يُوأَدِ

يعني جده صعصعة كان يشتريهن من آبائهن . فجاء الإسلام وقد أحيا سبعين موؤودة . وقال ابن عباس : كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت حفرت حفرة ، وتمخضت على رأسها ، فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة ، وردت التراب عليها ، وإن ولدت غلاما حبسته ، ومنه قول الراجز :

سَمَّيْتَهَا إذ وُلِدَتْ تموتُ*** والقبرُ صِهْرٌ ضامنٌ زِمِّيتُ

الزميت الوقور ، والزميت مثال الفسيق أوقر من الزميت ، وفلان أزمت الناس أي أوقرهم ، وما أشد تزمته . عن الفراء . وقال قتادة : كانت الجاهلية يقتل أحدهم ابنته ، ويغذو كلبه ، فعاتبهم الله على ذلك ، وتوعدهم بقوله : " وإذا الموؤودة سئلت " قال عمر في قوله تعالى : " وإذا الموؤودة سئلت " قال : جاء قيس بن عاصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! إني وأدت ثماني بنات كن لي في الجاهلية ، قال : ( فأعتق عن كل واحدة منهن رقبة ) قال : يا رسول الله إني صاحب إبل ، قال : ( فأهد عن كل واحدة منهن بدنة إن شئت ) .

وقوله تعالى : " سئلت " سؤال الموؤودة سؤال توبيخ لقاتلها ، كما يقال للطفل إذا ضرب : لم ضربت ؟ وما ذنبك ؟ قال الحسن : أراد الله أن يوبخ قاتلها ؛ لأنها قتلت بغير ذنب . وقال ابن أسلم : بأي ذنب ضربت ، وكانوا يضربونها . وذكر بعض أهل العلم في قوله تعالى : " سئلت " قال : طلبت ، كأنه يريد كما يطلب بدم القتيل . قال : وهو كقوله : " وكان عهد الله مسؤولا " [ الأحزاب : 15 ] أي مطلوبا . فكأنها طلبت منهم ، فقيل أين أولادكم ؟ وقرأ الضحاك وأبو الضحا عن جابر بن زيد وأبي صالح " وإذا الموؤودة سألت " فتتعلق الجارية بأبيها ، فتقول : بأي ذنب قتلتني ؟ ! فلا يكون له عذر . قاله ابن عباس وكان يقرأ " وإذا الموؤودة سألت " وكذلك هو في مصحف أبي . وروى عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن المرأة التي تقتل ولدها تأتي يوم القيامة متعلقا ولدها بثدييها ، ملطخا بدمائه ، فيقول يا رب ، هذه أمي ، وهذه قتلتني ) . والقول الأول عليه الجمهور ، وهو مثل قوله تعالى لعيسى : " أأنت قلت للناس " ، على جهة التوبيخ والتبكيت لهم ، فكذلك سؤال الموؤودة توبيخ لوائدها ، وهو أبلغ من سؤالها عن قتلها ؛ لأن هذا مما لا يصح إلا بذنب ، فبأي ذنب كان ذلك ، فإذا ظهر أنه لا ذنب لها ، كان أعظم في البلية وظهور الحجة على قاتلها . والله أعلم . وقرئ " قتلت " بالتشديد ، وفيه دليل بين على أن أطفال المشركين لا يعذبون ، وعلى أن التعذيب لا يستحق إلا بذنب .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ} (8)

ولما صرح الأمر فكانت القلوب أحر من الجمر ، ذكر ما هو المقصود الأعظم وهو السؤال على وجه يفهم العموم فقال : { وإذا الموءودة } أي ما دفن من الأولاد حياً بعد الولادة أو حصل تسبب في قتله قبل الولادة بدواء ونحوه ، سميت موءودة لما يوضع عليها من التراب فيثقلها فيقتلها{[71854]} " وأداً " مقلوب " آداً " إذا أثقل ، وإلقاؤها في البئر المحفور{[71855]} لها قريب من انكدار النجوم{[71856]} وتساقطها . ولما كان هذا أهون القتل عندهم وكانوا يظنون أنه مما لا عبرة به ، بين أنه معتنىً به وأنه لا بد من بعثها وجعلها بحيث تعقل وتجيب وإن كان نفخ{[71857]} الروح فيها في زمن يسير فقال : { سئلت * } أي وقع سؤالها عما يليق أن تسأل عنه ،


[71854]:من ظ و م، وفي الأصل: فيقلبها.
[71855]:من م، وفي الأصل و ظ: المفحو.
[71856]:من ظ و م، وفي الأصل: الشمس.
[71857]:من ظ و م، وفي الأصل: فيها الروح.