تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٖ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجۡتُثَّتۡ مِن فَوۡقِ ٱلۡأَرۡضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٖ} (26)

الآية 26 : فذلك قوله تعالى : { اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار } .

ويشبه أن يكون ضرب المثل بغير هذا المعنى ، وهو أنه ذكر جواهر طيبة وجواهر خبيثة مما تقع عليها الحواس ، ويقع عليها البصر ، ليكون كل جوهر من هذه الجواهر التي تقع عليها الحواس / 270 – ب / ويقع عليها البصر من خبيث وطيب دليلا وشاهدا لما غاب عنهم ، ولا يقع عليه الحس ، تدرك بالعقول التي رُكِّبت فيهم ليرغب الطيب مما يقع عليه الحس والبصر على الموعود الغائب ، ويحذر الخبيث المحسوس عما غاب ، وأوعد .

وكذلك هذه الآلام والأمراض والشدائد التي جعل في هذه الدنيا لتزجرهم عن الأفعال التي بها يستوجبون مثلها في الآخرة . وكذلك النعم التي في الدنيا واللذات جعلها لتدلهم على النعم الدائمة .

على هذا يجوز أن يخرج ، لا أنه أراد بالشجرة الطيبة الشجرة نفسها أو بالشجرة [ الخبيثة الشجرة ] {[9586]} نفسها ، ولكن ما وصفنا ، والله أعلم بذلك .

وقال قائلون : ضرب الله [ مثل الشجرة الطيبة مثلا للمؤمن ]{[9587]} هو في الأرض ، وعمله يصعد في السماء كل يوم . فكما تؤتى الشجرة أكلها كل حين كذلك المؤمن يعمل لله في ساعات الليل والنهار .

وقوله تعالى : { كل حين } قال قائلون : كل عام لأنها تثمر في كل عام مرة . وقال قائلون : ( كل ){[9588]} ستة أشهر من وقت طلوعها إلى وقت إدراكها . وقال قائلون : كل عشية وغدوة كقوله : { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون } ( الروم : 17 )

وقال قائلون : ( كل ) {[9589]} شهرين وأمثالها{[9590]} .

ويشبه أن يكون ما ذكرنا أنه ليس في وقت دون وقت ، ولكنه الأوقات كلها : في كل وقت كل ساعة .

فإن قال لنا ملحدي : إن الكلمة التي ضرب الله مثلها بالشجرة الطيبة كلمتنا ، ونحن المراد بذلك ، والكلمة الخبيثة التي ضرب الله مثلها بالشجرة الخبيثة ، هي كلمتكم ، وأنتم المراد بها ، لا نحن ، قيل : قد سبق لهذا المثل أمثال ودلائل :

أحدها {[9591]} : أن الكلمة الطيبة ، هي التي لها عاقبة وآخرة ، وكل أمر ، له العاقبة {[9592]} والنظر في آخره هو{[9593]} الحق ، والذي أنتم عليه ، لا عاقبة له ، ولا آخرة ، وفي {[9594]} الحكمة أن كل أمر ، لا عاقبة له ، هو{[9595]} باطل ، والكفر ، لا عاقبة ( له ) {[9596]} .

والثاني : أن الإيمان والتوحيد ، له الحجج والدلائل ، والكفر مما لا حجة له ، ولا دلائل ، إنما هو مأخوذ بالأماني والشهوة من تسويل الشيطان وتزيينه . لذلك كان ما ذكرنا .

والثالث {[9597]} : تحتمل الكلمة الطيبة أيضا أن يكون الوحي الذي أوحى الله إلى رسوله ، والكلمة الخبيثة ما أوحى الشيطان إليهم كقوله : { وإن الشياطين ليوحون إلى أولياءهم } الآية ( الأنعام : 121 ) فوحي الله ، هو ثابت دائم ، ينتفع به أهله في الدنيا والعاقبة ، ووحي الشيطان هو باطل مضمحل ، لا عاقبة له ، ولا ينتفع ( به ){[9598]} أهله ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { اجتثت من فوق الأرض } قال بعضهم : استؤصلت ، وقيل : انتزعت . وقال أبو عوَسَجة : اقتلعت من أصلها ؛ يقال : جَثَثتُ الشجرة ، أجُثها جثا ، إذا قلعتها من أصلها .

وقوله تعالى : { ما لها من قرار } : هو ما ذكرنا . وقال بعض أهل التأويل : شبه كلمة الشرك بحنظلة ، قُطِعت ، فلا أصل لها في الأرض ، ولا فرع لها في السماء ، أي لا يصعد له عمل ولا حمد ، وشبه كلمة الإيمان في نفعها وفضلها وثباتها وقرارها في الأرض بما ذكر من الشجرة ، والله أعلم .

ثم من الناس من احتج بهذا المثل في خلق الإيمان والكفر ، فقال : لأنه ضرب مثله بما هو خلق ، وهو الشجرة ، فعلى ذلك الإيمان .

ولكن عندنا : لا بهذا يجب أن استدل {[9599]} في خلقه ، ولكن لأثبت أن شبههما واحد ؛ لأنه لو كان شبههما مختلفا لكان لا يضرب مثل هذا بهذا ولا هذا بهذا . فإذا ضرب دل أن شبههما واحد . فإذا ثبت ذلك دل ما وصفنا .

ومن الناس من استدل بهذا : أنه يزداد ، وينقص حين {[9600]} شبهه بالشجرة ، وهي تزداد ، وتنقص .

ونحن نقول : ليس فيه دلالة ما ذكروا ، لأن الشجرة في نفسها ، ليست بذي حد ، والإيمان ذو حد ، فما يزداد هو ( في ) {[9601]} حق التزيين والتحسين ، وأما الإيمان نفسه فإنه لا يزداد كالشجرة ، إذا أورقت{[9602]} ، وخرجت ثمارها ، توصف بالزينة والحسن ، فأما نفس الشجرة فلا توصف بالزيادة ، فعلى ذلك الإيمان .

وقوله تعالى : { ويضرب الله الأمثال للناس } يحتمل يبين الله الأمثال التي يقع عليها الحس ، ويقع عليها البصر ، والأشياء الظاهرة ، لتدلهم على ما استتر ، وغاب عنهم ؛ يدركون بالعقول ما استتر ، وخفي ، بالظاهر والمحسوس { لعلهم يتذكرون } لعلهم يتعظون .

وقوله تعالى : { ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة } الكلمة الطيبة تحتمل التوحيد ، وفروعها ، هي الخوف والخشوع والخضوع والرغبة ، وأكلها ، هي{[9603]} الأعمال الصالحة ، والخيرات ، تكون منه . ( والكلمة الخبيثة ، هي الشرك ، وفروعها ما يكون من ){[9604]} الشرك من الفساد والتمرد والعناد ، وأكلها هي{[9605]} العمال التي تكون من الشرك .

أو أن تكون الكلمة الطيبة هي الإيمان وفروعها هي الشرائع والأحكام التي تعمل ، وأكلها ، هي{[9606]} ما يثاب عليه في الدنيا والآخرة أبدا ، والله أعلم .


[9586]:ساقطة من الأصل وم.
[9587]:في الأصل: مثلا للمؤمنين، في م: مثل الشجرة الطيبة مثلا للمؤمنين.
[9588]:ساقطة من الأصل وم.
[9589]:ساقطة من الأصل وم.
[9590]:في الأصل وم: وأمثاله؟.
[9591]:في الأصل وم: على.
[9592]:في الأصل وم: عاقبة.
[9593]:في الأصل وم: فهو.
[9594]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[9595]:في الأصل وم: فهو.
[9596]:ساقطة من الأصل وم.
[9597]:في الأصل وم: و.
[9598]:من م، ساقطة من الأصل.
[9599]:ساقطة من الأصل وم: يستدل.
[9600]:ساقطة من الأصل وم: حيث.
[9601]:من م، ساقطة من الأصل.
[9602]:في الاصل وم: تورقت
[9603]:ساقطة من الأصل وم: هو.
[9604]:من م، ساقطة من الأصل.
[9605]:ساقطة من الأصل وم: هو.
[9606]:ساقطة من الأصل وم: