تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ} (31)

الآية 31 : وقوله تعالى : { قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة } يحتمل إقامة الإيمان بها كقوله : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } ( التوبة : 5 ) هو إقامة الإيمان بها ؛ إذ لا يحتمل الحبس إلى أن يقيموا إقامة الفعل والوفاء ؛ إذ في ذلك حبسهم أبدا . ويحتمل إقامة الوفاء بها والفعل لأنه إنما خاطب المؤمنين على إقامتها ، وقد سبق منهم ما ذكرنا من الإيمان بها .

قيل : هذا جائز [ إذ ]{[9637]} يأمرهم بإقامة الإيمان بها في حادث الوقت ؛ إذ للإيمان حكم التجدد في كل وقت ، وهو كقوله : { يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله } ( النساء : 136 ) أي آمنوا بحادث{[9638]} الوقت .

فعلى ذلك ، هذا محتمل الأمر بإقامتها إقامة الإيمان بها . ويحتمل ما ذكر من إقامة الصلاة في الآية والإنفاق [ إقامة الصلاة وأداء الزكاة ]{[9639]} والإدامة لهما واللزوم بهما . ويحتمل القبول والوفاء بهما .

وقوله تعالى : { وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية } قال الحسن : الأمر بالإنفاق { مما رزقناهم } الزكاة المفروضة .

ألا ترى أنه ذكر الوعيد في الآخرة ، وقال : { من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال } .

ولا يحتمل الوعيد في صدقات التطوع ، وهو ما ذكر أيضا في آية أخرى { وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت } ( المنافقون : 10 ) ولا يحتمل طلب الرجوع والتأخير إلى أجل في النوافل . دل أنه أراد به الزكوات المفروضات .

وقال بعضهم : { وينفقوا مما رزقناهم سرا } هي التطوع { وعلانية } الفريضة ، لأن الفريضة لابد من أن تظهر ، وتعلن ، وليس في أدائها رياء ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { من قبل يوم لا بيع فيه ولا خلال } { يوم لا بيع فيه } أي يوم لا يقدر أحد أن يبيع نفسه من ربه ( وفي الدنيا يقدر أن يبيع نفسه من ربه ){[9640]} كقوله : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } ( البقرة : 207 ) وقوله : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم } ( التوبة : 111 ) .

وقوله تعالى : { من قبل أن يأتي يوم } لا يقدر أحد بيع نفسه من ربه [ فيه ]{[9641]} . ويحتمل { يوم لا بيع فيه ولا خلال } أي لا ينفعه بيع نفسه منه في ذلك اليوم ، وإن باع كقوله تعالى : / 271 – ب / { لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل } ( النعام : 158 ) وقوله : { فلما رأوا بأسنا ) الآية ( غافر : 84 و 85 ) فعلى ذلك الأول .

وقوله تعالى : { ولا خلال } هو مصدر خاللت ، وهو من الخِلة والصداقة . ثم يحتمل وجهين :

أحدهما : أي لا تنفعهم الخلة التي كانت بينهم في الدنيا مما ليست لله فهي تصير عداوة في الآخرة كقوله : { الأخلاء يومئذ } الآية ( الزخرف : 67 ) أخبر أن الأخلاء الذين كانوا يخالون في الدنيا للدنيا فهم الأعداء إلا الخلة التي كانت لله فهي تنفع أهلها ، وهو ما ذكر عز وجل : { ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا } ( العنكبوت : 25 ) وأمثاله ؛ يخبر أن الخلة التي كانت بينهم في الدنيا ، لا لله ، فهي تصير عداوة في الآخرة حتى يتبرأ بعضهم من بعض .

والثاني : أي يكون لهم شفعاء وأخلاء ، ولكن لا يشفعون كقوله : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } ( الأنبياء : 28 ) أو يشفعون{[9642]} لهم ، لكن لا تقبل [ شفاعتهم ]{[9643]} كقوله : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } ( المدثر : 38 ) .


[9637]:ساقطة من الأصل وم.
[9638]:من م، في الأصل: بالله.
[9639]:في الأصل وم: هي الصلاة المفروضة.
[9640]:من م، ساقطة من الأصل.
[9641]:ساقطة من الأصل وم.
[9642]:في الأصل وم: يشفع.
[9643]:ساقطة من الأصل وم.