تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَۚ وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ} (27)

الآية 27 : وقوله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } ذكر [ الإيمان ]{[9607]} مرة بالتثبيت ومرة بذكر الزيادة كقوله {[9608]} { ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } ( الفتح : 4 ) ومرة بذكر الابتداء والتجديد بقوله : { يا أيها الذين آمنوا بالله } ( النساء : 136 ) وقوله : { اهدنا الصراط المستقيم } ( الفاتحة : 6 ) فالتجديد والابتداء في حادث الوقت لأن الأفعال ، تنقص ، وتذهب ، ولا تبقى . وأما الزيادة ( فهي ){[9609]} على ما كان ، وكله واحد في الحقيقة .

وقوله تعالى : { ويضل الله الظالمين } أضاف الإضلال مرة إلى نفسه ، ومرة إلى الشيطان ، ولا شك أن ما أضيف إلى الشيطان إنما أضيف على الذم . فإذا كان ما ذكر فتكون الجهة التي أضيفت إلى الله غير الجهة التي أضيفت إلى الشيطان .

فالجهة {[9610]} التي أضيفت إلى الله ، هي أن خَلق فعل الضلال من الكافر ، وما أضيف إلى الشيطان ، هو على التزيين والتسول لتصح الإضافتان .

ولو كان على التسمية على ما يقول المعتزلة : ( إنه سماه ) {[9611]} ضالا لكان كل من سمى آخر ضالا كافرا ، جاز أن يسمى مضلا ، فإذا لم يسم بتسميته ضالا أو كافرا مضلا دل أنه إنما سمي الله نفسه مضلا لتحقيق الفعل فيه ، وهو ما ذكرنا أن فعل الضلال منه . والمعتزلة يقولون : إن الله خلق الخلق جميعا ، لكنهم لم يهتدوا ، وضلوا ، من غير أن يكون الله أضلهم . فهذا صرف ظاهر الآية إلى غيره بلا دليل .

وقوله تعالى : { ويفعل الله ما يشاء } وعلى قول المعتزلة : لا يقدر أن يفعل ما يشاء لأنهم يقولون : إنه شاء إيمان جميع البشر ، لكنهم لم يؤمنوا ، وكذلك قال : { فعال لما يريد } ( هود : 107 و . . . . ) وهم يقولون : أراد إيمانهم ( لكنهم لم يفعلوا ) {[9612]} ما أراد ، ولا يملك ، وقد أخبر أنه أراد ( بقوله ){[9613]} : { فعال لما يريد } ( هناك وقوله ههنا { ويفعل الله ما يشاء } ) {[9614]} هم يقولون : لم يملك [ أن يفعلوا ما شاء ، و ]{[9615]} أراد ، بل العباد يفعلون ما شاؤوا{[9616]} غير ما شاء هو . فتأويلهم خلاف ظاهر القرآن ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } يشبه أن يكون هذا صلة قوله : { ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة } ( إبراهيم : 24 ) على تأويل من يقول : إن الكلمة / 271 – أ / الطيبة هي الإيمان{[9617]} ، ويكون القول الثابت هو القرآن .

يقول ، والله أعلم : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا } حين{[9618]} تلقوه بالإجابة والقبول والعمل به { وفي الآخرة } أي بالآخرة والبعث يقرون به { ويضل الله الظالمين } حين{[9619]} تركوا الإجابة ، وتلقوه بالرد والمكابرة والعناد .

ومن يقول : الكلمة الطيبة التوحد ، فيكون {[9620]} القول الثابت هو الإيمان ، يثبتهم في الحياة الدنيا باختيارهم . وفي الآخرة : قيل : في قبورهم يثبتهم لإجابة منكر ونكير ، ويمكن لهم ذلك { ويضل الله الظالمين } الذين تركوا الإجابة له في الحياة الدنيا وفي القبور حين {[9621]} تركوا الإجابة في الدنيا .

ويحتمل أن يكون قوله : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا } هو ما ذكر { والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } ( يونس : 25 ) يثبت من أجاب الله إلى ما دعا في الدنيا ، وفي الآخرة يهديه إلى الطريق الذي به يوصل إلى دار السلام [ والكافر حين ترك إجابته إلى ما دعاه ، يضله في الآخرة طريق دار السلام ]{[9622]} بترك إجابته في الدنيا ، والله أعلم بذلك .

وقوله تعالى : { ويفعل الله ما يشاء } في هداية من اختار الإجابة والاهتداء ( وفي إضلال ) {[9623]} من اختار ترك الإجابة والغواية .


[9607]:ساقطة من الأصل وم.
[9608]:في الأصل وم: وقوله.
[9609]:ساقطة من الأصل وم.
[9610]:الفاء ساقطة من الأصل وم.
[9611]:في الأصل: أن سماها، في م: أن سماه.
[9612]:في الأصل وم: لكنه لم يفعل.
[9613]:ساقطة من الأصل وم.
[9614]:في الأصل وم: ولما يشاء.
[9615]:في الأصل: أن يفعل ما شاؤوا، في م: ما شاء و.
[9616]:في الأصل وم: شاء.
[9617]:في الأصل وم: القرآن.
[9618]:في الأصل وم: حيث.
[9619]:في الأصل وم: حيث.
[9620]:الفاء ساقطة من الأصل وم.
[9621]:في الأصل وم: حيث.
[9622]:من م، ساقطة من الأصل.
[9623]:في الأصل وم: والإضلال.