الآية 34 : وقوله تعالى : { وآتاكم من كل ما سألتموه } فيه لغتان وتأويلان : [ أحدهما : ما ]{[9651]} قال بعضهم : { وآتاكم من } كل{[9652]} على التنوين { ما سألتموه } على الجحد ، أي أتاكم من غير أن سألتم الأشياء التي ذكر أنه سخرها لنا ، أي أتاكم من غير سؤال ولا طِلبة .
والثاني : { وآتاكم من كل ما سألتموه } وما لم تسألوه ، لأنه أعطانا أشياء قبل أن نعلم أنه يجب أن نسأل حين{[9653]} خلق هذه الأشياء التي ذكر من قبل أن يخلقنا .
وقال الحسن : { من كل ما سألتموه } قال : ما لم تسألوه ، وهو ما ذكرنا .
فإن قيل : إنا نسأل أشياء لم نعطها ، فما معنى الآية ؟ قيل بوجوه :
أحدها : ذكر حرف التبعيض ، وهو ما قال : { من كل ما سألتموه } .
والثاني : { وآتاكم } علم ما سألتموه قبل أن تسألوا وجهة علم الانتفاع به .
والثالث : { وآتاكم من كل ما سألتموه } يحق السؤال ، ويليق به .
على هذه الوجوه تخرج الآية ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } قال بعضهم : { لا تحصوها } أي لا تشكروها ، أي لا تقدروا شكرها .
وقال بعضهم : أي لا تقدروا إحصاءها وعددها . وهكذا أن أقل الناس نعمة ، لو تكلف إحصاء ما أعطاه الله عز وجل ما قدر عليه من حسن الجوهر والصورة واستقامة التركيب والبنية وسلامة الجوارح وغير ذلك مما لا سبيل له في{[9654]} ذكرها وإحصائها إلا بعد طول التفكر والنظر .
وقال بعضهم : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } لا تحيطوا بكنهها ونهايتها .
وقوله تعالى : { إن الإنسان لظلوم كفار } { لظلوم } أي ظلم نفسه حين{[9655]} صرفها إلى غير الجهة التي جعلت ، وأمر [ بالصرف إليها ]{[9656]} وأدخلها في المهالك ، وألقاها في التهلكة . { كفار } لنعمة حين{[9657]} صرف شكرها إلى الغير الذي [ جعله إلها ]{[9658]} والله أعلم .
واستدل بعض المعتزلة بقوله : { قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال } ( إبراهيم : 31 ) إن صاحب الكبيرة يخلد في النار ، لأنه أوعد بترك الصلاة والزكاة التخليد أبدا ، وترك الصلاة والزكاة من غير عذر من الكبائر . دل أنه ما ذكر .
فنقول نحن ، وبالله التوفيق : إن الآية تحتمل الأمر بإقامة الصلاة وما ذكر من الزكاة والصدقة إقامة الإيمان بها على ما ذكرنا من تأويل بعض المتأولين . فإن كان على هذا على إقامة الإيمان بها ، فمن ترك ذلك فهو يخلد أبدا ، لا شك فيه ، أو أن يكون من استحل تركها ، فهو بالاستحلال يكفر ، فهو يخلد ، ومن{[9659]} يتركها لعذر فهو لا يخلد على اتفاق القول . فإذا كان ما ذكرنا محتملا دل أن الآية مخصوصة .
ثم معرفة تخليد صاحب الكبيرة إنما هي بالدلائل سوى هذا ؛ إذ ليس في ظاهر الآية دلالة التخليد لما ذكرنا من احتمال الخصوص . دل أنه إنما يطلب الدليل من وجه آخر .
قال القتبي : { ولا خلال } خلال : مصدر خاللت فلانا خلالا ومخالة ، والاسم الخِلِّة والمَُخلَّة ، وهي الصداقة .
وقال أبو عوسجة : { ولا خلال } قال من المخالة ، يعني المودة { دائبين } قال : يجريان أبدا ، وهو من الدوب أي من التعب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.