تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ مَكَّنَّـٰهُمۡ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّـٰكُمۡ فِيهِ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ سَمۡعٗا وَأَبۡصَٰرٗا وَأَفۡـِٔدَةٗ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُمۡ سَمۡعُهُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُهُمۡ وَلَآ أَفۡـِٔدَتُهُم مِّن شَيۡءٍ إِذۡ كَانُواْ يَجۡحَدُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (26)

الآية 26 وقوله تعالى : { ولقد مكّنّاهم فيما إن مكّنّاكم فيه } الآية . قال بعضهم { إن } ههنا في موضع : لم ، كأنه يقول : ولقد مكّناهم ، فيما لم نُمكّن لكم من القوة والشدة والعقل والبصيرة وغير ذلك . وذلك قوله تعالى : { وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء } أي قد مكّنا عادا ، في ما ذكرنا ما لم نمكّن لكم يا أهل مكة في ذلك /511-أ/ ثم إذا أتاهم عذاب الله بتكذيبهم الرسل لم يملكوا دفع عذابه .

فأنتم حين{[19347]} لم يمكّن لكم ذلك أحرى ألا تملكوا دفع عذابه إذا نزل بكم بتكذيبكم الرسول عليه السلام .

وقال بعضهم : إن حرف { إن } صلة زائدة ، فيكون تقدير الآية كأنه يقول : { ولقد مكّنّاهم فيما } { مكّنّاكم فيه } مما ذكر من السمع والبصر والفؤاد ، ثم لم يملكوا دفع العذاب عن أنفسهم ، فأنتم لا تملكون أيضا دفعه عن أنفسكم ، وكان لهم ما لكم مما ذكر من السمع والبصر والفؤاد .

وقوله تعالى : { وجعلنا لهم سمعا وأبصرا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء } على التأويل الأول حين{[19348]} ذكرنا أنهم مُكّنوا ما لم يمكّن هؤلاء يكون ما ذكر من السمع والبصر والفؤاد ، لا يراد به أعيانها حقيقة ، لكن السمع يكون كناية عن العقل كقوله تعالى : { أفأنت تُسمع الصُّم ولو كانوا لا يعقلون } [ يونس : 42 ] ذكر السمع ، ثم فسّر به العقل ، ويكون قوله : { وأبصارا } أُريد به البصائر . فالبصر يُذكر ، ويراد به البصيرة ؛ إذ قد وصفهم الله تعالى بذلك بقوله : { وعادًا وثمودا } إلى قوله : { وكانوا مستبصرين } [ العنكبوت : 38 ] ويكون قوله : { وأفئدة } كناية عن القوى ، والفؤاد يُكنّى به عن القوة .

يخبر تعالى أنهم مُكّنوا من العقل والبصيرة والقوة ما لم تُمكّنوا أنتم يا أهل مكة ، ثم لم يقدروا على دفع عذاب الله إذا نزل بهم . فأنتم كيف تملكون دفعه ، وليس لكم تلك الأسباب ؟

وعلى التأويل الثاني كان المراد هو حقيقة ما ذكر من السمع والبصر والفؤاد . فيكون معناه ما ذكرنا أي لكم هذه الأسباب مثل ما لهم ، ثم هل لم يقدروا على دفع ما حل بهم من العذاب ، فأنتم لم تقدروا أيضا ، والله أعلم .

ثم بيّن الله تعالى الذي به{[19349]} نزل ما نزل من العذاب حين{[19350]} قال : { إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون } وكان استهزاؤهم مرة بما يوعد لهم الرسل عليهم السلام بالعذاب ، ومرة كانوا يستهزئون بالرسل عليهم السلام لما يدعونهم إلى ما دعوا ، والله أعلم .

ثم [ بيّن ]{[19351]} عذاب عاد بالريح التي وصفها تعالى في سورة الحاقة ، وذكر فيها ، حين{[19352]} قال : { وأما عاد فأُهلكوا بريح صرصر عاتية } أي شديدة عادية { سخّرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حُسوما } الآية [ الآيتان : 6 و7 ] وقال : في آية أخرى : { وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } [ الذاريات : 41 ] والله أعلم .


[19347]:في الأصل وم: حيث.
[19348]:في الأصل وم: بهم.
[19349]:في الأصل وم: بهم.
[19350]:في الأصل وم: حيث.
[19351]:ساقطة من الأصل وم.
[19352]:في الأصل وم: حيث.