تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

الآية 42 وقوله تعالى : { يوم يكشف عن ساق } أي يكشف عن موضع الوعيد بالشدائد والأهوال . والساق الشدة ، وسميت الساق ساقا لأن الناس شدتهم في سوقهم ؛ إذ بها يحملون الأحمال ، فكنى بالساق عن الشدة .

وقيل أيضا : إنهم كانوا إذا ابتلوا / 589 –أ / بشدة وبلاء كشفوا عن سوقهم ، فكنّى بذكره عن الشدة ، لا أن يراد بذكر الساق تحقيق الساق ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون } يحتمل أن يكون هذا على دعاء الحال ، ويحتمل أن يكون على دعاء الأمر .

فأما دعاء الحال فهو أن [ من ]{[21832]} عادات الخلق أنه إذا اشتد بهم الأمر ، وضاق ، فزعوا إلى السجود .

فجائز أن يكون ما حل بهم من الأحوال والشدائد يدعوهم إلى السجود ، فيهمّون بذلك ، فلا يستطيعون ، فيكون قوله : { ويدعون إلى السجود } [ أي يدعوهم الحال إلى السجود ]{[21833]} فهذا دعاء الحال .

وجائز أن يؤمروا{[21834]} بالسجود ، ويمتحنوا به .

ثم أن كان التأويل على الأمر فيتحمل أن يكون [ ذلك يوم القيامة ، وجائز أن يكون ]{[21835]} وقت الموت ، وإن كان على دعاء الحال فذلك يكون عند الموت .

ثم الأمر بالسجود يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون على حقيقة الفعل .

ويحتمل أن يكون على الاستسلام والخضوع ؛ إذ السجود في الحقيقة ، هو الخضوع والاستسلام ، وكل سجود ذكر في القرآن ، وأريد به عين السجود ، فليس يجب بتلاوته السجود . وكل ما أريد به الاستسلام والخضوع فهو الذي يجب بتلاوته السجود .

ثم إن ذكر في أهل الكفر فإنما يراد منهم الاستسلام بالاعتقاد ليس بعين الفعل .

وأهل الإسلام قد وجد منهم الاستسلام بالاعتقاد ، فيلزمهم أن يستسلموا من جهة الفعل .

فجائز أن يكون هذا لما عاين الشدائد والأفزاع ، استسلم الله تعالى ، وخضع له ، فلم يقبل ذلك منه ، لأن تلك الدار دار جزاء وليست بدار محنة .

والثاني : أن السجود ، هو بذل النفس لما طلب منه طائعا . وإذا أشرف المرء على الموت طلب منه في ذلك الوقت بذل روحه لما يعلم أن مصيره إذا قبض إلى العذاب كما قال عليه السلام ) من كره لقاء الله كره الله لقاءه ، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ) [ البخاري : 6507 و 6508 ] .

فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن ذلك ، فقال : ذلك عند الموت ، فهو لما يرى من المكروه [ الذي ]{[21836]} يحل به بعد الموت يكره قبض روحه .

فيكون قوله تعالى : { فلا يستطيعون } إن كان المراد من قوله تعالى : { ويدعون إلى السجود } عند الموت على ذلك .

والمؤمن إذا رأى ما أعد له من الكرامات ود لو تقبض روحه سريعا ليصل إلى الكرامات .

وإن كان هذا بعد البعث ، ، وأريد من السجود تحقيقه ، ففيه تذكير لهم أنهم لم يكونوا يمتحنون في الدنيا بالسجود لمنفعة ، تصل إلى الله تعالى ، أو لحاجة له إلى ذلك ، وإنما امتحنوا بالسجود لمكان أنفسهم ؛ إذ لو كان الامتحان لمنفعة ، ينالها{[21837]} الله تعالى لما كانوا يمنعون عنه في القيامة ، والله أعلم .

وقال كثير من أهل الكلام : لا يجوز أن يمتحنهم الله تعالى بعد البعث بالسجود ؛ إذ تلك الدار ليست بدار محنة ، وإنما الأمر بالسجود يخرج مخرج التوبيخ .

وكذلك زعم جعفر بن حرب أن هذا على التوبيخ ، يقال للرجل إذا كان مكثرا ، فذهب ماله ، ولم يؤد الزكاة [ ولم يحج في حال يسر ]{[21838]} حج [ وابذل الآن . وذاك ]{[21839]} الآن ، ليس يراد به أن أوجد الفعل ، ولكن يراد به تذكيره وتوبيخه . فهذا الذي قالوه محتمل .

ويحتمل أن يمتحنوا بالسجود للوجوه التي ذكرنا ، وهو أن يظهر عند الممتحنين أن منافع سجودهم راجعة إليهم لا إلى الله تعالى .

وقوله تعالى : { فلا يستطيعون } للأشغال التي حلت بهم والأفزاع التي ابتلوا{[21840]} بها .


[21832]:من م، ساقطة من الأصل
[21833]:من م، ساقطة من الأصل
[21834]:من م ن في الأصل: يؤمر
[21835]:من م، ساقطة من الأصل
[21836]:ساقطة من الأصل و م
[21837]:في الأصل و م: ينال.
[21838]:في م: يحج في حال يسر، ساقطة من الأصل
[21839]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وزل، في الأصل وزل
[21840]:في الأصل و م: ابتلى