تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةٗ سِيٓـَٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ} (27)

الآية : 27 وقوله تعالى : { فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا } جائز أن يكون قوله تعالى : { رأوه زلفة } أي رأوا الذي وعدوا .

وقوله تعالى : { زلفة } أي قريبة . ثم أنّث الزلفة لما أريد بها الأحوال التي تكون في ذلك اليوم من الأهوال والشدائد ، ويكون قوله : { رأوه } كناية عن ذلك اليوم ؛ فذكر اليوم لأن اليوم مذكر ، وجعل الزلفة بلفظ التأنيث ، لأنها كناية عن الأهوال التي تكون في ذلك اليوم .

وجائز أن يكون قوله : { زلفة } رأوا تلك الأهوال والشدائد قريبة من الأوقات التي وعدوا فيها ، فعلموا أنها كانت قريبة منهم ، وإن كانوا يستبعدونها في ذلك اليوم ، وهو كقوله تعالى : { كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها } [ النازعات : 46 ] وقوله{[21756]} : { ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا } [ البقرة : 165 ] .

وكذلك إذا رأوا شدائد ذلك اليوم وأهواله ، علموا أن الوقت الذي كان يوعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قريبا منهم .

وقوله تعالى : { سيئت وجوه الذين كفرا } ف { سيئت } من ساءت ، أي ساءت وجوههم ، وقبحت وجوههم بتغير ألوانها .

وقوله تعالى : { وقيل هذا الذي كنتم به تدّعون } قال أبو بكر الأصم : معناه تمنعون وتدفعون ، كقوله تعالى : { فذلك الذي يدع اليتيم } [ الماعون : 2 ] وقوله : { يوم يدعّون إلى نار جهنم دعا } [ الطور : 13 ] أي دفعا .

وليس الأمر كما ذكره ، لأنه لو كان من الدفع أو المنع ، لكان حقه أن يشدد العين لا الدال ، كما شددت في قوله : { يدع اليتيم } فإذا شددت الدال دون العين ثبت أن اشتقاقه/ 586-أ/ ليس من الدع ولكنه من الادعاء ؛ إذ الدال هي المشددة .

فتأويله ، والله أعلم { هذا الذي كنتم به تدّعون } أي هذا الوقت الذي كنتم تكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتدّعون عليه أنه كاذب في الأخبار .

وجائز أن يكون قوله : { تدّعون } أي تدعون{[21757]} ، وقد يستعمل الادعاء مكان الدعوة ، كما يقال : ذكر واذّكر وخبر واختبر .


[21756]:في الأصل و م: وقال
[21757]:وهي قراءة، انظر معجم القراءات القرآنية ج7/ 191.