الآيات 17 -20 : وقوله تعالى : { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } [ { وإلى السماء كيف رفعت } { وإلى الجبال كيف نصبت } ]{[23540]} { وإلى الأرض كيف سطحت } فخص الإبل بالذكر من بين جملة الدواب ، وخص السماء والجبال والأرض بالذكر ، وتخصيصها يكون لأحد وجهين :
أحدهما : أن الإبل كانت من أخص دواب أهل مكة ؛ عليها كانوا يسافرون ، وعليها كانوا ينقلون ما احتاجوا إليه{[23541]} ، وهي أيضا ، أعني مكة ، منشؤهم بين الجبال ، فكانت لا تفارقهم الجبال ، وكانت السماء من فوقهم ، والأرض من تحتهم ، فخصت هذه الأشياء بالذكر ليعتبروا بها ، ويتدبروا .
[ الثاني : ]{[23542]} أن المنافع المجعولة في الدواب كلها تجتمع في الإبل لأن منافع الدواب أن ينتفع بظهرها وبضرعها وبصوفها وبلحمها ونسلها ، فكل ذلك في الإبل ، فصارت في الإبل كالأنعام للمنافع المتخذة في الدواب والبركات المعقودة فيها ، وكذلك عظم المنافع والبركات المعقودة فيها متصلة بالسماء ؛ ففيها جعلت أرزاقهم ، فيها عين الشمس التي بها صالح الأغذية ، ونراها مزينة بزينة الكواكب ؛ فهي أيضا كالأمر في المنافع .
وكذلك الأرض كالأم في المنافع ؛ إذ فيها مأوى الخلق ، قدر فيها أقوات الخلق وأرزاقهم ، ومنها يخرج ما يتخذون منه اللباس .
ثم بالجبال قوام الأرض ، ولولاها لكانت الأرض تميد بأهلها . فخصت هذه الأشياء بالذكر لما ذكرنا .
ثم قوله تعالى : { أفلا ينظرون } يحتمل وجهين :
أحدهما : على الأمر ، أي فلينظروا .
والثاني : أن يكون على السؤال تقدم منهم لأمر اشتبه عليهم ، فنزلت هذه الآية : { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } إلى آخر الآيات{[23543]} ، أي لو نظروا في هذه الأشياء لكان نظرهم فيها وتفكرهم بها نزع عنهم الإشكال ، ووضح لهم ما اشتبه عليهم .
وذكر عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : لما ذكر الله تعالى ما ذكر من نعيم الجنة عجبت قريش ، وقالوا{[23544]} : يا محمد ائتنا بآية أن ما تقول حق ، أنزل الله تعالى : { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } ؟
ثم النظر في رفع السماوات والتفكر في خلقها { بغير عمد ترونها } [ الرعد : 2 ] والنظر والاعتبار في خلق الإبل ونصب الجبال وسطح الأرض ، وهو البسط ، مما يوجب القول بالبعث ، ويدعو إلى وحدانية الرب تعالى وإلى القول بإثبات الرسالة .
وذلك أن الذي كان يحمل على إنكار البعث ، هو أنهم كانوا يقدرون الأشياء بقوى أنفسهم/639 – أ/ فكانوا يظنون أن القوة لا تبلغ هذا ؛ إذ إحياء الموتى خارج عن وسعهم .
فلو نظروا ، وتفكروا في خلق السماوات والأرض لعلموا أن قوة الله غير مقدرة بقوى الخلق ؛ وذلك أن السماوات خلقت ، ورفعت في الهواء بغير عمد ، وأقرت ، كذلك لا تنحدر عن موضعها ، ولا تصعد . ولو أراد أحد أن يقر في الهواء ريشة حتى لا تسقط ، ولا تتصعد ، لم يقدر عليه . فيكون في ذلك تنبيه أن قدرته قدرة ذاتية ، ليست بمستفادة .
وكذلك الجبال ترونها مع شموخها وارتفاعها وصلابتها زينت بالمياه والأشجار الملتفة من وجه ، لو تفكر فيه الخلائق ، فاستفرغوا مجهودهم ليعلموا من أي موضع يجتمع الماء ، وكيف ينبع ، وكيف تنبت الأشجار من بين الأحجار ، لم يصلوا إلى معرفته ، فيعلموا أن علمه ليس بالذي يحاط به ، فيكون في ذكر [ هذه الأنباء ]{[23545]} أنه لا يخفى عليه أمر ، ولا يعجزه شيء ، بل العالم كله تحت تدبيره ، يفعل بهم ما يشاء ، ويحكم بما يريد ، وأن الذي قدر على خلق هذا قادر على إحيائهم وبعثهم للجزاء ، وفي خلق هذه الأشياء ما يدعوهم إلى الوحدانية لأن الله تعالى جعل منافع الأرض متصلة بمنافع السماء ؛ فالقطر ينزل من السماء إلى الأرض غير المنهشمة ، فينبت لهم من ألوان النبات رزقا لهم ولأنعامهم .
فلو كان مدبر السماء غير مدبر الأرض لكان منع منافع السماء عن خلق مدبر الأرض . فلو تفكروا فيها لكان يزول عنهم الإشكال ، فلا يدعون مع الله إلها آخر ، ولا يقولون : { أجعل الإلهة إلاها واحدا إن هذا لشيء عجاب } ؟ [ ص : 5 ] .
وقولنا : إن فيه إثبات الرسالة ؛ وذلك أنهم بما أنعموا من النعم التي ذكرناها لابد أن يستأدي منهم الشكر ، ولا يعرف شكر كل شيء على الإشارة إليه ، ثم يكون ، فلا بد من رسول يطلعهم على ذلك .
فإن قيل : كيف أمروا بالنظر في كيفية خلق هذه الأشياء ، وهم لو نظروا [ إلى ]{[23546]} آخر الأبد ليعرفوا كيف خلقت هذه الأشياء لم يهتدوا إلى ذلك الوجه ؟
فجواب أنهم لو أدركوا{[23547]} ذلك الوجه ، وفهموه ، لكان النظر فيها لا يرفع عنهم الإشكال ، إذ يقدرونه بأفعال الخلق التي تهتدي إليها . فارتفاع الإدراك{[23548]} وخروجه عن أوهامهم هو الذي يوضح لهم المشكل ، ويزيل عنهم الشبه ، إذ به عرفوا أنه حاصل بقدرة من لا تقدر قوته بقدرتهم وأنه خلافهم من جميع الوجوه ، والله الموفق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.