النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَأَجَآءَهَا ٱلۡمَخَاضُ إِلَىٰ جِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ قَالَتۡ يَٰلَيۡتَنِي مِتُّ قَبۡلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسۡيٗا مَّنسِيّٗا} (23)

قوله تعالى : { فَأجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ } فيه وجهان :

أحدهما : معناه ألجأها ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، ومنه قول الشاعر{[1862]} :

إذ شددنا شدة صادقة *** فأجأناكم إلى سفح الجبل

الثاني : معناه فجأها المخاض كقول زهير :

وجارٍ سارَ معتمداً إلينا *** أجاءته المخافة والرجاء .

وفي قراءة ابن مسعود { فَأَوَاهَا }

{ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها خافت من الناس أن يظنوا بها سوءاً ، قاله السدي .

الثاني : لئلا يأثم الناس بالمعصية في قذفها .

الثالث : لأنها لم تَرَ في قومها رشيداً ذا فراسة ينزهها من السوء ، قاله جعفر{[1863]} بن محمد رحمهما الله .

{ وَكُنتُ نَسْياً منسِيّاً } فيه خمسة تأويلات :

أحدها : لم أخلق ولم أكن شيئاً ، قاله ابن عباس .

الثاني : لا أعرف ولا يدرى من أنا ، قاله قتادة .

الثالث : النسي المنسي هو السقط ، قاله الربيع ، وأبو العالية .

الرابع : هو الحيضة الملقاة ، قاله عكرمة ، بمعنى خرق الحيض .

الخامس : معناه وكنت إذا ذكرت لم أطلب حكاه اليزيدي . والنسي عندهم في كلامهم ما أعقل من شيء حقير قال الراجز :

كالنسي ملقى بالجهاد البسبس{[1864]} . ***


[1862]:هو حسين بن ثابت يرد على عبد الله بن الزعبري يوم أحد.
[1863]:المقصود به: جعفر الصادق بن محمد الباقر.
[1864]:قائله دكين الفقيمي كما في اللسان ـ نسي. والشطر الأول هو: بالدار وحي كاللقي المطرس كالنسي. . . . والجهاد: الأرض. والبسبس: البر المقفر الواسع.