الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا} (90)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"تَكَادُ السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ" يقول تعالى ذكره: تكاد السموات يتشّقْقن قطعا من قيلهم "اتّخَذَ الرّحْمَنُ وَلَدا"، ومنه قيل: فَطَر نابُه: إذا انشقّ...

عن ابن عباس، قوله: "تَكَادُ السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقّ الأرْضُ وتَخِرّ الجِبالُ هَدّا أنْ دَعُوْا للرّحْمَنِ وَلَدا" قال: إن الشرك فزعت منه السموات والأرض والجبال، وجميع الخلائق إلا الثقلين، وكادت أن تزول منه لعظمة الله، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك، كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحّدين.

"وَتَنْشَقّ الأرْضُ" يقول: وتكاد الأرض تنشقّ، فتنصدع من ذلك. "وتَخِرّ الجبالُ هَدّا" يقول: وتكاد الجبال يسقط بعضها على بعض سقوطا. والهدّ: السقوط...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قال بعضهم: مثل هذا إنما يقال على المبالغة في العظيم من الأمور والنهاية من الضيق والشدة على التمثيل. يقول الرجل لآخر: أظلمت الدنيا عليه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، ونحوه على المبالغة في الضيق والشدة...

فعلى ذلك هذا؛ ذكر على المبالغة والنهاية في العظيم من القول الذي قالوا في الله سبحانه، ثم جعل مثل ما قالوا في العظيم في الله بما يعظم من المحسوسات في العقول. وهو ما ذكر من انفطار السماوات وانشقاق الأرض وَهَدِّ الجبال، وهن أصلب الأشياء وأشدها ليعرفوا عظم ما قالوا فيه. وهكذا تعرف الأمور الغائبة التي سبيل معرفتها الاستدلال بالمحسوسات من الأشياء والمشاهدات منها...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وقال أبو الحسن:معنى تكاد السموات:تريد، كقوله "كدنا ليوسف "أي أردنا... ومثله قوله تعالى "أكاد أخفيها" أي أريد. ومعنى "تكاد" في الآية تقرب لأن السموات لا يجوز أن ينفطرن ولا يردن لذلك، ولكن هممن بذلك، وقربن منه إعظاما لقول المشركين. وقال قوم: معناه على وجه المثل، لأن العرب تقول إذا أرادت أمرا عظيما منكرا: كادت السماء تنشق والأرض تنخسف، وأن يقع السقف...

وقال قوم: المعنى لو كان شيء يتفطر استعظاما لما يجري من الباطل لتفطرت السموات والأرض استعظاما، واستنكارا لما يضيفونه إلى الله تعالى من اتخاذ الولد، ومثله قوله "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال". ومعنى يتفطرن: يتشققن، والانفطار: الانشقاق في قول ابن جريج،... وقرئ ينفطرن بمعنى يتشققن منه، يعني من قولهم اتخذ الرحمن ولدا، والمراد بذلك تعظيما واستنكارا لهذا القول، وأنه لو كانت السموات يتفطرن تعظيما لقول باطل لانشقت لهذا القول، ولو كانت الجبال تخر لأمر، لخرت لهذا القول. و (الهد) تهدم بشدة صوت.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: ما معنى انفطار السموات وانشقاق الأرض وخرور الجبال؟ ومن أين تؤثر هذه الكلمة في الجمادات؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن الله سبحانه يقول: كدت أفعل هذا بالسموات والأرض والجبال عند وجود هذه الكلمة غضباً مني على من تفوّه بها، لولا حلمي ووقاري، وأني لا أعجل بالعقوبة كما قال: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [فاطر: 41].

والثاني: أن يكون استعظاماً للكلمة، وتهويلاً من فظاعتها، وتصويراً لأثرها في الدين وهدمها لأركانه وقواعده، وأن مثال ذلك الأثر في المحسوسات: أن يصيب هذه الأجرام العظيمة التي هي قوام العالم ما تنفطر منه وتنشق وتخرّ. وفي قوله {لَقَدْ جِئْتُمْ} وما فيه من المخاطبة بعد الغيبة، وهو الذي يسمى الالتفات في علم البلاغة زيادة تسجيل عليهم بالجرأة على الله، والتعرّض لسخطه، وتنبيه على عظم ما قالوا...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

... فإن قيل من أين يؤثر القول بإثبات الولد لله تعالى في انفطار السماوات وانشقاق الأرض وخرور الجبال؟ قلنا فيه وجوه:

...

وثالثها: أن السماوات والأرض والجبال تكاد أن تفعل ذلك لو كانت تعقل من غلظ هذا القول وهذا تأويل أبي مسلم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ثم بين ثقله بقوله: {تكاد السماوات} على إحكامها، مع بعدها من أصحاب هذا القول {يتفطرن} أي يأخذن في الانشقاق {منه} أي من هذا الشيء الإدّ {وتنشق الأرض} على تحتها شقاً نافذاً واسعاً {وتخر} أي تسقط سريعاً {الجبال} على صلابتها {هداً} كما ينفسخ السقف تحت ما لا يحتمله من الجسم الثقيل.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يهتز كل ساكن من حولهم ويرتج كل مستقر، ويغضب الكون كله لبارئه. وهو يحس بتلك الكلمة تصدم كيانه وفطرته؛ وتجافي ما وقر في ضميره وما استقر في كيانه؛ وتهز القاعدة التي قام عليها واطمأن إليها: (تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا)...