البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا} (90)

الهد : قال الجوهري هد البناء هداً كسره .

وقال المبرد : هو سقوط بصوت شديد ، والهدة صوت وقع الحائط ونحوه يقال : هديهد بالكسر هديداً .

وقال الليث : الهد الهدم الشديد .

وقرأ ينفطرن مضارع انفطر أبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم وابن عامر هنا وهي قراءة أبي بحرية والزهري وطلحة وحميد واليزيدي ويعقوب وأبي عبيد .

وقرأ باقي السبعة { يتفطرن } مضارع تفطر والتي في الشورى قرأها أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم بالياء والنون وباقي السبعة بالياء والتاء والتشديد .

وقرأ ابن مسعود يتصدعن وينبغي أن يجعل تفسيراً لمخالفتها سواد المصحف المجمع عليه ، ولرواية الثقاة عنه كقراءة الجمهور .

وقال الأخفش { تكاد } تريد وكذلك قوله { أكاد أخفيها } وأنشد شاهداً على ذلك قول الشاعر :

وكادت وكدت وتلك خير إرادة *** لو عاد من زمن الصبابة ما مضى

ولا حجة في هذا البيت ، والمعروف أن الكيدودة مقاربة الشيء وهذه الجمل عند الجمهور من باب الاستعارة لبشاعة هذا القول ، أي هذا حقه لو فهمت الجمادات قدره وهذا مهيع للعرب .

قال جرير :

لما أتى خبر الزبير تواضعت *** سور المدينة والجبال الخشع

وقال آخر :

ألم تر صدعاً في السماء مبيناً ***على ابن لبني الحارث بن هشام

وقال الآخر :

فأصبح بطن مكة مقشعرّاً***كأن الأرض ليس بها هشام

وقال آخر :

بكى حارث الجولان من فقد ربه***وحوران منه خاشع متضائل

حارث الجولان : موضع .

وقال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى انفطار السموات وانشقاق الأرض وخرور الجبال ، ومن أين تؤثر هذه الكلمة في الجمادات ؟ قلت : فيه وجهان أحدهما أن الله يقول : كدت أفعل هذه بالمسوات والأرض والجبال عند وجود هذه الكلمة غضباً مني على من تفوه بها لولا حلمي ووقاري ، وإني لا أعجل بالعقوبة كما قال

{ إن الله يمسك السموات والأرض } الآية .

والثاني : أن يكون استعظاماً للكلمة ، وتهويلاً من فظاعتها ، وتصويراً لأثرها في الدين وهدمها لأركانه .

وقواعده ، وأن مثال ذلك الأثر في المحسوسات أن يصيب هذه الأجرام العظيمة التي هي قوام العالم ما تنفطر منه وتنشق وتخر انتهى .

وقال ابن عباس إن هذا الكلام فزعت منه السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلاّ الثقلين وكدن أن يزلن منه تعظيماً لله تعالى .

وقيل : المعنى كادت القيامة أن تقوم فإن هذه الأشياء تكون حقيقة يوم القيامة .

وقيل : { تكاد السموات يتفطرن } أي تسقط عليهم { وتنشق الأرض } أي تخسف بهم { وتخر الجبال هدّاً } أي تنطبق عليهم .

وقال أبو مسلم : تكاد تفعل ذلك لو كانت تعقل من غلظ هذا القول ، وانتصب { هدّاً } عند النحاس على المصدر قال : لأن معنى { تخرّ } تنهد انتهى .

وهذا على أن يكون { هداً } مصدراً لهد الحائط يهد بالكسر هديداً وهداً وهو فعل لازم .

وقيل { هداً } مصدر في موضع الحال أي مهدودة ، وهذا على أن يكون { هداً } مصدر هد الحائط إذا هدمه وهو فعل متعد ، وأجاز الزمخشري أن يكون مفعولاً له أي لأنها تهد ، وأجاز الزمخشري في { أن دعوا } ثلاثة أوجه .

قال أن يكون مجروراً بدلاً من الهاء في منه كقوله :

على حالة لو أن في القوم حاتماً*** على جوده لضن بالماء حاتم

وهذا فيه بعد لكثرة الفصل بين البدل والمبدل منه لجملتين ، قال : ومنصوباً بتقدير سقوط اللام وإفضاء الفعل أي { هداً } لأن دعوا علل الخرور بالهد ، والهد بدعاء الولد للرحمن ، وهذا فيه بعد لأن الظاهر أن { هداً } لا يكون مفعولاً بل مصدر من معنى { وتخر } أو في موضع الحال ، قال : ومرفوعاً بأنه فاعل { هداً } أي هدها دعاء الولد للرحمن ، وهذا فيه بعد لأن ظاهر { هداً } أن يكون مصدراً توكيدياً ، والمصدر التوكيدي لا يعمل ولو فرضناه غير توكيد لم يعمل بقياس إلاّ إن كان أمراً أو مستفهماً عنه ، نحو ضربا زيداً ، واضربا زيداً على خلاف فيه .

وأما إن كان خبراً كما قدره الزمخشري أي هدها دعاء الرحمن فلا ينقاس بل ما جاء من ذلك هو نادر كقوله :

وقوفاً بها صحبي عليّ مطيهم . . .

أي وقف صحبي .