اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا} (90)

قوله : { تَكَادُ } . قرأ نافع والكسائي بالياء من تحت . والباقون بالتاء من فوق{[22664]} وهما واضحتان ، إذ التأنيث مجازي{[22665]} . وكذا{[22666]} في سورة الشورى{[22667]} .

وقرأ أبو عمرو : وابن عامر ، وأبو بكر{[22668]} عن عاصم ، وحمزة " يَنْفَطْرن " مضارع انفطرَ ، لقوله{[22669]} تعالى : { إِذَا السمآء انفطرت }{[22670]} والباقون : " يتفَطّرْن " " مضارع تفطَّر{[22671]} " بالتشديد في هذه السورة{[22672]} ، وأما التي في الشورى فقرأها حمزة وابن عامر بالياء والتاء{[22673]} وتشديد الطاء . والباقون على أصولهم في هذه السورة{[22674]} . فتلخص من ذلك أن أبا بكر وأبا عمرو{[22675]} يقرآن بالياء والنون في السورتين . وأن نافعاً وابن كثير والكسائي وحفصاً{[22676]} عن عاصم يقرءون بالياء والتاء وتشديد الطاء فيهما ، وأن حمزة وابن عامر في هذه السورة بالياء والنون ، وفي الشورى بالياء وتشديد الطاء " {[22677]} فالانفطار{[22678]} من فطرهُ إذا شقه ، " والتفطُّر إذا شقَّقهُ " {[22679]} ، وكرر فيه الفعل{[22680]} .

قال أبو البقاء : وهو هنا أشبه بالمعنى{[22681]} ، أي{[22682]} : التشديد .

و " يَتَفَطَّرْنَ " {[22683]} في محل نصب " خبراً ل " كَانَ " {[22684]} وزعم الأخفش أنها هنا بمعنى الإرادة{[22685]} ، وأنشد :

كَادَتْ وكِدْتُ وتِلْكَ خَيْرُ إرَادةٍ *** لَوْ عَادَ مِنْ زمنٍ الصِّبابةِ مَا مَضَى{[22686]}

فصل{[22687]}

يقال{[22688]} : انفطر الشيء وتفطَّر أي تشقَّق{[22689]} . وقرأ ابن مسعود " يتصَدَّعْنَ{[22690]} " .

و " تَنْشَقُّ{[22691]} الأرْضُ " أي تخسفُ بهم ، والانفطار في السماء ، أي : تسقط عليهم .

" وتخُرُّ الجِبَالُ هدَّاً " أي : تُهَدُّ هَداً ، بمعنى " تنطبق عليهم .

فإن قيل من أين يؤثر القول بإثبات الولد لله في انفطار السموات وانشقاق الأرض وخرور{[22692]} الجبال ؟ فالجوابُ من وجوه :

" الأول : أنَّ الله - تعالى- يقول : كدت أفعل هذا بالسموات والأرض والجبال عند وجود " {[22693]} هذه{[22694]} الكلمة غضباً منِّي على من تفوَّه بها ، لولا حلمي ، وإني لا أعجِّل بالعقوبة ، كقوله- تعالى{[22695]}- : { إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }{[22696]} .

الثاني : أن يكون استعظاماً للكلمة ، وتهويلاً من فظاعتها ، وهدمها لأركان الدين وقواعده .

الثالث : أنَّ السماوات والأرضِ والجبال تكاد أن تفعل ذلك لو كانت تعقل{[22697]} من غلظ هذا القول ، وهذا تأويل أبي{[22698]} مسلم{[22699]} .

الرابع : أنَّ السماوات والأرض والجبال كانت سليمة من كل العيوب ، فلما تكلم بنو آدم{[22700]} بهذا القول ظهرت العيوب{[22701]} فيها{[22702]} .

قوله : { هدَّا } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنَّه مصدر وفي مضع الحال{[22703]} ، أي : مهدودة{[22704]} ، وذلك على أن يكون هذا المصدر من هدَّ زيدٌ الحائط يهدُّه هدَّا ، أي : " هدمهُ{[22705]} " {[22706]} .

والثاني : وهو قول أبي جعفر{[22707]} : أنه مصدر على غير المصدر{[22708]} لما كان في معناه{[22709]} ، لأن الخرور : السقوطُ والهدمُ ، وهذا على أن يكون من هدَّ الحائطُ يَهِدُّ - بالكسر- انهدم ، فيكون لازماً .

الثالث : أن يكون مفعولاً من أجله ، قال الزمخشري : أي : لأنها تهد{[22710]} .


[22664]:السبعة (412-413)، الحجة لابن خالويه (239)، الكشف 2/93، النشر 2/319.
[22665]:أي أن الفاعل إذا كان مؤنثا مجازيا جاز تأنيث الفعل وتذكيره، والكوفيون أجازوا في الفعل مع كل من جمعي التصحيح التذكير والتأنيث. شرح التصريح 1/280.
[22666]:في ب: وكذلك.
[22667]:من قوله تعالى: {تكاد السماوات يتفطّرن من فوقهن} [الشورى: 5].
[22668]:في ب: وأبو بكر وابن عامر.
[22669]:في ب: كقوله.
[22670]:[الانفطار: 1].
[22671]:ما بين القوسين سقط من ب.
[22672]:السبعة (412-413) ، الحجة لابن خالويه (239)، الكشف 2/39، النشر 2/319.
[22673]:في الأصل: والطاء. وهو تحريف.
[22674]:السبعة (412-413، 580)، الحجة لابن خالويه (239، 318) الكشف 2/93، 250، النشر 2/319.
[22675]:في ب: أبا عمرو وأبا بكر.
[22676]:تقدم.
[22677]:ما بين القوسين سقط من ب.
[22678]:في ب: والانفطار.
[22679]:ما بين القوسين سقط من ب.
[22680]:انظر الكشاف 2/424.
[22681]:التبيان 2/883.
[22682]:في ب: أن.
[22683]:في ب: وينفطر. وهو تحريف.
[22684]:ما بين القوسين سقط من ب.
[22685]:قال الأخفش: (وزعموا أن تفسير "أكاد" أريد وأنها لغة، لأن أريد قد تجعل مكان "أكاد" مثل "جدارا يريد أن ينقض" أي يكاد أن ينقض، فكذلك أكاد إنما هي أريد). معاني القرآن 2/595-596.
[22686]:البيت في بحر الكامل، لم أهتد إلى قائله، وهو في معاني القرآن للأخفش 2/596، المحتسب 2/31،48، اللسان (كود، كيد). واستشهد به على أن (كاد) تكون بمعنى طلب وأراد.
[22687]:فصل: سقط من ب.
[22688]:في ب: فقال.
[22689]:وقال ابن خالويه: (وهما لغتان فصيحتان، معناهما التشقق). الحجة (239).
[22690]:المختصر (86)، الكشاف 2/424، البحر المحيط 6/218، قال أبو حيان (وقرأ ابن مسعود "يتصدّعن" وينبغي أن يجعل تفسيرا لمخالفتها سواد المصحف المجمع عليه، ولرواية الثقات عنه كقراءة الجمهور).
[22691]:في ب: ونشق. وهو تحريف.
[22692]:في ب: وخروا. وهو تحريف.
[22693]:ما بين القوسين سقط من ب.
[22694]:في ب: وهذه. وهو تحريف.
[22695]:تعالى: سقط من ب.
[22696]:[فاطر: 41].
[22697]:في ب: تفعل. وهو تحريف.
[22698]:في ب: أبو. وهو تحريف.
[22699]:تقدم.
[22700]:في الأصل: بنوا. وهو تحريف.
[22701]:في ب: الغيوب. وهو تصحيف.
[22702]:الفخر الرازي 21/255.
[22703]:الحال: سقط من ب.
[22704]:الكشاف 2/424، التبيان 2/883، البحر المحيط 6/219. يكثر وقوع المصدر حالا، وهو عند سيبويه والجمهور على التأويل بالوصف مثل طلع زيد بغتة وقتلت زيدا صبرا، أي: باغتا ومصبورا. وذهب الأخفش والمبرد إلى أن المصدر في نحو ذلك منصوب على المصدرية، والعامل فيه محذوف، والتقدير: طلع زيد يبغث بغثة، وقتلت زيدا يصبر صبرا، فالحال عندهما الجملة لا المصدر. وذهب الكوفيون إلى أنه منصوب على المصدرية، والعامل فيه الفعل المذكور، لتأوله بفعل من لفظ المصدر فطلع زيد بغتة عندهم في تأويل بغت زيدا بغتة، وقتلت زيدا صبرا، في تأويل صبرته صبرا. وقيل: هي مصادر على حذف مصادر نابت المذكورات عنها في المفعولية المطلقة، والتقدير: طلع زيد طلوع بغتة، وقتلته قتل صبر. وقيل: هي مصادر على حذف مضاف غير مصدر، وذلك المضاف هو الحال، فلما حذف المضاف ناب عنه المضاف إليه في الحالية، والتقدير طلع زيد ذا بغتة، وقتلته ذا صبر. الهمع 1/238، شرح الأشموني 2/172-173.
[22705]:فهو فعل متعد. البحر المحيط 6/219.
[22706]:ما بين القوسين في ب: هذه. وهو تحريف.
[22707]:قال النحاس: ("وتخرّ الجبال هدّا" مصدر، لأن معنى تخر تهد) إعراب القرآن 3/29.
[22708]:في الأصل: الصدر.
[22709]:يريد مجيء المصدر من غير لفظ الفعل. ولكن مما يرادفه في المعنى كقولهم: قمت وقوفا، وفرحت جزلا، وشنأته بغضا وأحببته مقتا. انظر الأشموني 2/113،115.
[22710]:الكشاف 2/424.