الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا} (90)

قوله : { تَكَادُ } : قرأ نافع والكسائي بالياءِ من تحتُ ، والباقون بالتاء مِنْ فوقُ ، وهما واضحتان إذ التأنيثُ مجازِيٌّ ، وكذلك في سورة الشورى .

وقرأ أبو عمروٍ وابنُ عامرٍ وأبو بكرٍ عن عاصمٍ وحمزةَ " يَنفَطِرْنَ " مضارع انْفَطَرَ . والباقون " يتفطَّرْن " مضارعَ تَفَطَّرَ بالتشديدِ في هذه السورة . وأمَّا التي في الشورى فقرأها حمزة وابنُ عامرٍ بالتاء والياء وتشديد الطاء والباقون على أصولِهم في هذه السورة . فتلَخَّصَ من ذلك أن أبا عمروٍ وأبا بكر يقرآن بالتاء والنون في السورتين ، وأن نافعاً وابن كثير والكسائيَّ وحفصاً عن عاصم يقرؤون بالتاء والياء وتشديد الطاء فيهما ، وانَّ حمزة وابن عامر في هذه السورةِ بالتاء والنون ، وفي الشورى بالتاء والياء وتشديد الطاء .

فالانفِطارُ مِنْ " فَطَرَه " إذا شَقَّه ، والتفطُّر مِنْ " فطَّره " إذا شَقَّقَه ، وكَرَّر فيه الفعلَ . قال أبو البقاء : " وهو هنا أَشْبَهُ بالمعنى " . أي : التشديد . و " يَتَفَطَّرْنَ " في محلِّ نصب خبراً ل " تكادُ " وزعم الأخفش أنها هنا بمعنى الإِرادة وأنشد :

كادَتْ وكِدْتُ وتلك خيرُ إرادةٍ *** لو عادَ مِنْ زمنِ الصَّبابةِ ما مَضَى

قوله : " هَدَّاً " فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنه مصدرٌ في موضعِ الحال ، أي : مَهْدُودَةً وذلك على أن يكونَ هذا المصدرُ مِنْ هدَّ زيدٌ الحائطَ يَهُدُّه هَدَّاً ، أي : هَدَمه . والثاني : وهو قولُ أبي جعفر أنه مصدرٌ على غيرِ الصَّدْرِ لمَّا كان في معناه لأنَّ الخُرورَ السُّقوطُ والهَدْمُ ، وهذا على أن يكون مِنْ هَدَّ الحائطُ يَهِدُّ ، أي : انهدمَ ، فيكون لازماً . والثالث : أن يكونَ مفعولاً مِنْ أجله . قال الزمخشريُّ : " أي : لأنَّها تُهَدُّ " .