الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{قَالَ خُذۡهَا وَلَا تَخَفۡۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلۡأُولَىٰ} (21)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ" يقول تعالى ذكره: قال الله لموسى: خذ الحية... "وَلا تَخَفْ "يقول: ولا تخف من هذه الحية، "سَنُعِيدُها سِيرَتها الأُولى"، يقول: فإنا سنعيدها لهيئتها الأولى التي كانت عليها قبل أن نصيّرها حية، ونردّها عصا كما كانت. يقال لكل من كان على أمر فتركه، وتحوّل عنه ثم راجعه: عاد فلان سيرته الأولى، وعاد لسيرته الأولى، وعاد إلى سيرته الأولى... عن مجاهد "سِيرَتها الأُولى" قال: هيئتها.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... كأن موسى خاف حين صارت حية، وهو ما قال في آية أخرى: {فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا} [النمل: 10 والقصص: 31] فعند ذلك قال له: {خذها ولا تخف} وأخبره أنه يعيدها عصا على ما كانت.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

لما رأى ذلك الأمر العجيب الهائل ملكه من الفزع والنفار ما يملك البشر عند الأهوال والمخاوف...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

لما نودي موسى وخص بتلك الكرامات العظيمة وعلم أنه معبوث من عند الله تعالى إلى الخلق فلم خاف؟.

والجواب من وجوه: أحدها: أن ذلك الخوف كان من نفرة الطبع لأنه عليه السلام ما شاهد مثل ذلك قط...

وعند الفزع الشديد قد يذهل الإنسان عنه...

وذلك الخوف من أقوى الدلائل على صدقه في النبوة لأن الساحر يعلم أن الذي أتى به تمويه فلا يخافه البتة...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان ذلك أمراً مخيفاً، استشرف السامع إلى ما يكون من حاله عند مثل هذا بعد ذلك، فاستأنف إخباره بقوله: {قال} أي الله تبارك وتعالى على ما يكون منها عند فرعون لأجل التدريب: {خذها ولا تخف} مشيراً إلى أنه خاف منها على عادة الطبع البشريّ؛ ثم علل له النهي عن الخوف بقوله {سنعيدها} أي بعظمتنا عند أخذك لها بوعد لا خلف فيه {سيرتها} أي طريقتها {الأولى} من كونها عصا، فهذه آية بينة على أن الذي يخاطبك هو ربك الذي له الأسماء الحسنى، فنزلت عليه السكينة، وبلغ من طمأنينته أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحيتها، فإذا هي عصاه، ويده بين شعبتيها.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وقعت المعجزة فدهش لها موسى وخاف: (قال: خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى) ونردها عصا. والسياق هنا لا يذكر ما ذكره في سورة أخرى من أنه ولى مدبرا ولم يعقب. إنما يكتفي بالإشارة الخفيفة إلى ما نال موسى -عليه السلام- من خوف: ذلك أن ظل هذه السورة ظل أمن وطمأنينة، فلا يشوبه بحركة الفزع والجري والتولي بعيدا. واطمأن موسى والتقط الحية، فإذا هي تعود سيرتها الأولى! عصا!.. ووقعت المعجزة في صورتها الأخرى. صورة سلب الحياة من الحي، فإذا هو جامد ميت، كما كان قبل أن تدركه المعجزة الأولى..

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

كانت هذه المسألة تدريبا لموسى –عليه السلام – وتجربة، فللعصا مهمة في رسالته، وسوف تكون هي معجزته في صراعه مع فرعون حين يضرب بها البحر وفي دعوته لبني إسرائيل حين يضرب بها الحجر فيتفجر منه الماء. وقد عالج القرآن هذه القصة في لقطات مختلفة، فمرة يقول عن العصا كأنها ثعبان، ومرة يقول: حية. وأخرى يقول: جان، لذلك اعترض البعض على هذه الاختلافات، فأيها كانت العصا؟ الحقيقة أنها صور مختلفة للعصا حينما انقلبت، فمن ناحية قتلتها المميتة هي حية، ومن ناحية ضخامتها هي ثعبان، ومن ناحية خفة حركتها هي جان، وكل هذه الخصائص كانت في العصا، وحين تجمع كل هذه اللقطات تعطيك الصورة الكاملة للعصا بعد أن صارت حية. فآيات القرآن – إذن – تتكامل لترسم الصورة المرادة للحق تبارك وتعالى.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وبالرغم من أن خوف موسى هنا قد أثار التساؤل لدى بعض المفسّرين بأن هذه الحالة كيف تناسب موسى مع الشجاعة التي عهدناها لدى موسى، وأثبتها عملياً طوال عمره عند محاربته الفراعنة؟ إِضافة إِلى صفات وشروط الأنبياء بصورة عامّة. إِلاّ أنّ الجواب عن هذا السؤال يتّضح بملاحظة نكتة واحدة، وهي أن من الطبيعي أن كل إِنسان، مهما كان شجاعاً وغير هياب، إِذا رأى فجأة قطعة خشب تتحول إِلى حية عظيمة وتتحرك بسرعة، فلابدّ أن يرتبك ويخاف ولو لمدّة قصيرة ويسحب نفسه جانباً توقياً، إِلاّ أن يكون هذا المشهد قد تكرر أمامه مراراً، ورد الفعل الطبيعي هذا لا يكون نقطة ضعف ضد موسى أبداً. ولا تنافي الآية (39) من سورة الأحزاب حيث تقول: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إِلاّ الله) فإِن هذا الخوف طبيعي ومؤقت وسريع الزوال أمام حادثة لم تحدث من قبل قط، وخارق للعادة.