إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ خُذۡهَا وَلَا تَخَفۡۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلۡأُولَىٰ} (21)

{ قَالَ } استئناف كما سبق { خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ } عن ابن عباس رضي الله عنهما : انقلبت ثعباناً ذكَراً يبتلع كلَّ شيء من الصخر والشجَر ، فلما رآه كذلك خاف ونفَر ، وما يملك البشرُ عند مشاهدةِ الأهوال والمخاوفِ من الفزع والنّفار ، وفي عطف النهي على الأمر إشعارٌ بأن عدمَ المنهيّ عنه مقصودٌ لذاته لا لتحقيق المأموريةِ فقط وقوله تعالى : { سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى } مع كونه استئنافاً مسوقاً لتعليل الامتثال بالأمر والنهي فإن إعادتَها إلى ما كانت عليه من موجبات أخذها ، وعدمِ الخوفِ منها عِدَةٌ كريمةٌ بإظهار معجزةٍ أخرى على يده عليه الصلاة والسلام ، وإيذانٌ بكونها مسخَّرةً له عليه الصلاة والسلام ليكون على طُمَأْنينة من أمره ولا يعتريه شائبةُ تَزلزُلٍ عند مُحاجّة فرعون ، أي سنعيدها بعد الأخذ إلى حالتها الأولى التي هي الهيئةُ العَصَوية . قيل : بلغ عليه الصلاة والسلام عند ذلك من الثقة وعدمِ الخوف إلى حيث كان يُدخل يدَه في فمها ويأخذ بلَحْيَيها . والسِّيرةُ فِعْلةٌ من السير تجوز بها للطريقة والهيئة ، وانتصابُها على نزع الجارِّ أي إلى سيرتها ، أو على أنّ أعاد منقولٌ من عاده بمعنى عاد إليه ، أو على الظرفية أي سنعيدها في طريقها ، أو على تقدير فعلها وإيقاعِها حالاً من المفعول أي سنعيدها عصاً كما كانت من قبل تسير سيرتَها الأولى ، أي سائرةً سيرتَها الأولى فتنتفعَ بها كما كنت تنتفع من قبل .