البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ خُذۡهَا وَلَا تَخَفۡۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلۡأُولَىٰ} (21)

ثم أمره تعالى بالإقدام على أخذها ونهاه عن أن يخاف منها وذلك حين ولى مدبراً ولم يعقب .

وقيل : إنما خافها لأنه عرف ما لقي آدم منها .

وقيل : لما قال له الله { لا تخف } بلغ من ذهاب خوفه وطمأنينة نفسه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحيتها ويبعد ما ذكره مكي في تفسيره أنه قيل له خذ مرة وثانية حتى قيل له { خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى } فأخذها في الثالثة لأن منصب النبوة لا يليق أن يأمره ربه مرة وثانية فلا يمتثل ما أمر به ، وحين أخذها بيده صارت عصا والسيرة من السير كالركبة والجلسة ، يقال : سار فلان سيرة حسنة ثم اتسع فيها فنقلت إلى معنى المذهب والطريقة .

وقيل : سير الأولين .

وقال الشاعر :

فلا تغضبن من سيرة أنت سرتها *** فأول راض سيرة من يسيرها

واختلفوا في إعراب { سيرتها } فقال الحوفي مفعول ثان لسنعيدها على حذف الجار مثل { واختار موسى قومه } يعني إلى { سيرتها } قال : ويجوز أن يكون بدلاً من مفعول { سنعيدها } .

وقال هذا الثاني أبو البقاء قال : بدل اشتمال أي صفتها وطريقتها .

وقال الزمخشري : يجوز أن ينتصب على الظرف أي { سنعيدها } في طريقتها الأولى أي في حال ما كانت عصا انتهى .

و { سيرتها } وطريقتها ظرف مختص فلا يتعدى إليه الفعل على طريقة الظرفية إلاّ بواسطة ، في ولا يجوز الحذف إلاّ في ضرورة أو فيما شذت فيه العرب .

قال الزمخشري : ويجوز أن يكون مفعولاً من عاده بمعنى عاد إليه .

ومنه بيت زهير :

وعادك أن تلاقيها عداء ***

فيتعدى إلى مفعولين انتهى .

وهذا هو الوجه الأول الذي ذكره الحوفي .

قال : ووجه ثالث حسن وهو أن يكون { سنعيدها } مستقلاً بنفسه غير متعلق بسيرتها ، بمعنى أنها أنشئت أول ما أنشئت عصا ثم ذهبت وبطلت بالقلب حية ، فسنعيدها بعد الذهاب كما أنشأناها أولاً ونصب { سيرتها } بفعل مضمر أي تسير { سيرتها الأولى } يعني { سنعيدها } سائرة { سيرتها الأولى } حيث كنت تتوكأ عليها ، ولك فيها المآرب التي عرفتها انتهى .