الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{أُفّٖ لَّكُمۡ وَلِمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (67)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"أُفّ لَكُمْ" يقول: قُبحا لكم وللآلهة التي تعبدون من دون الله، "أفلا تعقلون "قبح ما تفعلون من عبادتكم ما لا يضرّ ولا ينفع، فتتركوا عبادته، وتعبدوا الله الذي فطر السموات والأرض، والذي بيده النفع والضرّ؟

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أف هو كلام كل مستخف بآخر ومستحقر له في فعله. يقول {أف لكم} فإبراهيم حين قال ذلك لهم إنما قال استخفافا بهم وبما عبدوه.

{أفلا تعقلون} أن عبادة من لا ينفع ولا يضر، لا يصلح ولا يحل؟...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

فمعنى (أف) الضجر بما كان من الأمر، وهي كلمة، مبنية، لأنها وضعت وضع الصوت الخارج عن دلالة الإشارة والإفادة، فصارت كدلالة الحرف، لأنه يفهم المعنى بالحال المقارنة لها...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{أُفٍّ} صوت إذا صوّت به علم أنّ صاحبه متضجر، أضجره ما رأى من ثباتهم على عبادتها بعد انقطاع عذرهم، وبعد وضوح الحق وزهوق الباطل، فتأفف بهم. واللام لبيان المتأفف به. أي: لكم ولآلهتكم هذا التأفف.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم حقر شأنها وأزرى بها في قوله {أف لكم}... و {أف} لفظة تقال عند المستقذرات من الأشياء، فيستعار ذلك للمكروه من المعاني كهذا وغيره.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

ثم نبههم على ما به يدرك حقائق الأشياء وهو العقل فقال: {أفلا تعقلون} أي قبح ما أنتم عليه وهو استفهام توبيخ وإنكار.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما أثبت أن معبوداتهم هذه في حيز العدم، فكانوا لعبادتها دونها، استأنف تبكيتهم لذلك بأعلى كلمات التحقير التي لا تقال إلا لما هو غاية في القذارة فقال: {أف} أي تقذر وتحقير مني... ثم خص ذلك بهم بقوله: {لكم ولما تعبدون} ولما كانت عبادتهم على وجه الإشراك، وكانت جميع الرتب تحت رتبته تعالى، وكانت أصنامهم هذه في رتب منها سافلة جداً أثبت الجار فقال: {من دون الله} أي الملك الأعلى لدناءتكم وقذارتكم. ولما تسبب عن فعلهم هذا وضوح أنه لا يقر به عاقل، أنكر عليهم ووبخهم على ترك الفكر تنبيهاً على أن فساد ما هم عليه يدرك ببديهة العقل فقال: {أفلا تعقلون} أي وأنتم شيوخ قد مرت بكم الدهور وحنكتكم التجارب.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

وإظهارُ الاسم الجليلِ في موضع الإضمارِ لمزيد استقباحِ ما فعلوا.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وهي قولة يظهر فيها ضيق الصدر، وغيظ النفس، والعجب من السخف الذي يتجاوز كل مألوف.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ووسّع معلّم التوحيد دائرة الكلام، وانهال بسياط التقريع على روحهم التي فقدت الإحساس، فقال: (أُف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون)؟ إلاّ أنّه لم يلحّ في توبيخهم وتقريعهم لئلاّ يلجّوا في عنادهم. في الحقيقة، كان إبراهيم يتابع خطّته بدقّة متناهية، فأوّل شيء قام به عند دعوتهم إلى التوحيد هو أن ناداهم قائلا: ما هذه التماثيل التي تعبدونها؟ وهي لا تحسّ ولا تتكلّم وإذا كنتم تقولون: إنّها سنّة آبائكم، فقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين. وفي المرحلة الثّانية أقدم على خطّة عملية ليبيّن أنّ هذه الأصنام ليست لها تلك القدرة على إهلاك كلّ من ينظر إليها نظرة احتقار، خاصة وأنّه ذهب إليها مع سابق إنذار وحطّمها تماماً، وليوضّح أنّ تلك الأوهام التي حاكوها مجتمعين لا فائدة ولا ثمر فيها. وفي المرحلة الثّالثة أوصلهم في تلك المحكمة التاريخيّة إلى طريق مسدود، فمرّة دخل إليهم عن طريق فطرتهم، وتارةً خاطب عقولهم، وأُخرى وعظهم، وأحياناً وبّخهم ولامهم.

والخلاصة، فإنّ هذا المعلّم الكبير قد دخل من كلّ الأبواب، واستخدم كلّ طاقته، إلاّ أنّ من المسلّم أنّ القابلية شرط في التأثير، وكان هذا قليل الوجود بين أولئك القوم للأسف، ولكن لا شكّ أنّ كلمات إبراهيم (عليه السلام) وأفعالهِ بقيت كأرضيّة للتوحيد، أو على الأقل بقيت كعلامات استفهام في أذهان أولئك، وأصبحت مقدّمة ليقظة ووعي أوسع في المستقبل.