الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَلَا تَكُن فِي مِرۡيَةٖ مِّن لِّقَآئِهِۦۖ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (23)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

أعطينا موسى صلى الله عليه وسلم التوراة.

{فلا تكن} يا محمد {في مرية من لقائه}: لا تكن في شك من لقاء موسى، عليه السلام، التوراة، فإن الله عز وجل ألقى الكتاب عليه، يعني التوراة حقا.

{وجعلناه هدى} يعني التوراة هدى {لبني إسرائيل} من الضلالة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ولقد آتينا موسى التوراة، كما آتيناك الفرقان يا محمد، "فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ "يقول: فلا تكن في شكّ من لقائه، فكان قتادة يقول: معنى ذلك: فلا تكن في شكّ من أنك لقيته، أو تلقاه ليلة أُسري بك، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة عن أبي العالية الرياحي، قال: حدثنا ابن عمّ نبيكم، يعني ابن عباس، قال: قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم: «أُرِيتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ رَجُلاً آدَمَ طوَالاً جَعْدا، كأنّهُ مِنْ رِجالِ شَنُوءَةَ، ورأيْتُ عِيسَى رَجُلاً مَربُوعَ الخَلْقِ إلى الحُمْرَةِ والبَياضِ، سَبْطَ الرأسِ، ورأيْتُ مالِكا خازِنَ النّارِ، والدّجّالَ» في آيات أرَاهُنّ اللّهُ إيّاهُ، "فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ" أنه قد رأى موسى، ولقي موسى ليلة أُسري به.

وقوله: "وَجَعَلْناهُ هُدًى لِبَنِي إسْرائِيلَ" يقول تعالى ذكره: وجعلنا موسى هدى لبني إسرائيل، يعني: رشادا لهم يرشدون باتباعه، ويصيبون الحقّ بالاقتداء به، والائتمام بقوله.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فلا تكن في مرية من لقائه} أي من أن تلقاه يوم القيامة.

يحتمل قوله {هدى لبني إسرائيل} وجهين:

أحدهما: البيان: أي جعلناه بيانا لهم، يبين ما لهم وما عليهم وما لله عليهم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{الكتاب} للجنس والضمير في {لّقَائِهِ} له. ومعناه: إنا آتينا موسى عليه السلام مثل ما آتيناك من الكتاب، ولقيناه مثل ما لقيناك من الوحي، فلا تكن في شك من أنك لقيت مثله ولقيت نظيره كقوله تعالى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءونَ الكتاب مِن قَبْلِك} [يونس: 94] ونحو قوله: {مّن لّقَائِهِ} وقوله: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى القرءان مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النمل: 6] وقوله: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا يلقاه مَنْشُوراً} [الإسراء: 13]. وجعلنا الكتاب المنزل على موسى عليه السلام {هُدًى} لقومه.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

يحتمل أن تكون الآية واردة لا للتقرير بل لتسلية النبي عليه السلام، فإنه لما أتى بكل آية وذكر بها وأعرض عنها قومه حزن عليهم، فقيل له تذكر حال موسى ولا تحزن فإنه لقي ما لقيت وأوذي كما أوذيت، وعلى هذا فاختيار موسى عليه السلام لحكمة، وهي أن أحدا من الأنبياء لم يؤذه قومه إلا الذين لم يؤمنوا به، وأما الذين آمنوا به فلم يخالفوه غير قوم موسى، فإن من لم يؤمن به آذاه مثل فرعون وغيره، ومن آمن به من بني إسرائيل أيضا آذاه بالمخالفة، وطلب أشياء منه مثل طلب رؤية الله جهرة، ومثل قوله: {اذهب أنت وربك فقاتلا}.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

والمعنى إنَّا آتينا مُوسى مثلَ ما آتيناك من الكتابِ ولقَّيناه من الوحيِ مثلَ ما لقَّيناك من الوحيِ فلا تكُن في شكَ من أنَّك لقيتَ مثلَه ونظيرَه.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

وخلاصة ما تؤذن به الفاء التفريعية أن معرفتك بأن موسى عليه السلام أوتي التوراة ينبغي أن تكون سبباً لإزالة الريب عنك في أمر كتابك؛ ونهيه عليه الصلاة والسلام عن أن يكون في شك،المقصود منه نهى أمته صلى الله عليه وسلم والتعريض بمن اتصف بذلك، وفي التعبير باللقاء دون الإيتاء من تعظيم شأنه صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى على المتدبر.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} يهتدون به في أصول دينهم، وفروعه وشرائعه موافقة لذلك الزمان، في بني إسرائيل.

وأما هذا القرآن الكريم، فجعله اللّه هداية للناس كلهم، لأنه هداية للخلق، في أمر دينهم ودنياهم، إلى يوم القيامة، وذلك لكماله وعلوه {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وتفسير هذه العبارة المعترضة: (فلا تكن في مرية من لقائه) على معنى تثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم على الحق الذي جاء به؛ وتقرير أنه الحق الواحد الثابت الذي جاء به موسى في كتابه؛ والذي يلتقي عليه الرسولان ويلتقي عليه الكتابان.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{ءاتينا موسى الكتاب} أرسلنا موسى، فذِكر إيتائه الكتاب كناية عن إرساله، وإدماج ذكر {الكتاب} للتنويه بشأن موسى، وليس داخلاً في تنظير حال الرسول صلى الله عليه وسلم بحال موسى عليه السلام في تكذيب قومه إياه، لأن موسى لم يكذبه قومه ألا ترى إلى قوله تعالى: {وجعلناه هدى لبني إسرائيل} الآيات، وليتأتى من وفرة المعاني في هذه الآية ما لا يتأتى بدون ذِكر {الكتاب.

واللقاء: اسم مصدر لَقِيَ وهو الغالب في الاستعمال دون لِقى الذي هو المصدر القياسي. واللقاء: مصادفة فاعل هذا الفعل مفعولَه، ويطلق مجازاً على الإصابة كما يقال: لقيت عناء، ولقيت عَرق القِربة، وهو هنا مجاز، أي لا تكن في مرية في أن يصيبك ما أصابه، وضمير الغائب عائد إلى موسى. واللقاء مصدر مضاف إلى فاعله، أي مما لقي موسى من قوم فرعون من تكذيب، أي من مثل ما لقي موسى، وهذا المضاف يدل عليه المقام، أو يكون جارياً على التشبيه البليغ كقوله: هو البدر، أي: من لقاء كلقائه، فيكون هذا في معنى آيات كثيرة في هذا المعنى وردت في القرآن كقوله تعالى: {ولقد استُهْزِئ برُسُل من قبلك} [الأنعام: 10] {فصبَروا على ما كُذّبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا} [الأنعام: 34]، وقوله: {وإن كادوا لَيَسْتَفِزُّونك من الأرض لِيُخرِجُوك منها وإذاً لا يلبثون خَلْفَك إلا قليلاً سُنَّةَ من قد أرسلنا من قبلك من رُسُلِنا} [الإسراء: 76، 77]. هذا أحسن تفسير للآية وقريب منه مأثور عن الحسن.

ويجوز أن يكون ضمير {لقائه} عائداً إلى موسى على معنى: من مثل ما لقي موسى من إرساله وهو أن كانت عاقبة النصر له على قوم فرعون، وحصول الاهتداء بالكتاب الذي أوتيه، وتأييده باهتداء بني إسرائيل، فيكون هذا المعنى بشارة للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن الله سيظهر هذا الدين.

وللمفسرين احتمالات أخرى كثيرة لا تسفر عن معنى بيِّن، ومن أبعدها حمل اللقاء على حقيقته وعود ضمير الغائب لموسى وأن المراد لقاؤه ليلة الإسراء وعَده الله به وحقَّقه له في هذه الآية قبل وقوعه.

وضمير النصب في {وجعلناه هدى} يجوز أن يعود على الكتاب أو على موسى وكلاهما سبب هدى، فوصف بأنه هدى للمبالغة في حصول الاهتداء به، وهو معطوف على {ءاتينا موسى الكتاب} وما بينهما اعتراض.

وهذا تعريض بالمشركين إذ لم يشكروا نعمة الله على أن أرسل إليهم محمد بالقرآن ليهتدوا، فأعرضوا وكانوا أحق بأن يحرصوا على الاهتداء بالقرآن وبهدي محمد صلى الله عليه وسلم.