الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَمَقۡتٗا وَسَآءَ سَبِيلًا} (22)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء}، نزلت في محصن بن أبي قيس الأنصاري، وفي امرأته كبشة بنت معن، {إلا ما قد سلف}، لأن العرب كانت تفعل ذلك قبل التحريم، وذلك أن محصن مات أبوه، فشد على امرأته فتزوجها...، {إنه كان فاحشة}، يعني معصية، {ومقتا}: وبغضا، {وساء سبيلا}: وبئس المسلك، وقال سبحانه: {إلا ما قد سلف}، لأن العرب كانوا ينكحون نساء الآباء، ثم حرم النسب والصهر.

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

الباجي: قال مالك: قال الله تبارك وتعالى اسمه: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء}. قال مالك: فلو أن رجلا نكح امرأة في عدتها نكاحا حلالا فأصابها حرمت على ابنه أن يتزوجها، وذلك أن أباه نكحها على وجه الحلال لا يقام عليه فيه الحد ويلحق به الولد، الذي يولد فيه بأبيه، وكما حرمت على ابنه أن يتزوجها حين تزوجها أبوه في عدتها وأصابها فكذلك تحرم على الأب ابنتها إذا هو أصاب أمها.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قد ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم كانوا يخلفون على حلائل آبائهم، فجاء الإسلام وهم على ذلك، فحرّم الله تبارك وتعالى عليهم المقام عليهن، وعفا لهم عما كان سلف منهم في جاهليتهم وشركهم من فعل ذلك، لم يؤاخذهم به إن هم اتقوا الله في إسلامهم وأطاعوه فيه. عن ابن عباس، قال: كان أهل الجاهلية يحرّمون ما يحرّم إلا امرأة الأب، والجمع بين الأختين، قال: فأنزل الله: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النّساءِ إلاّ ما قَدْ سَلَفَ} {وأنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ}.

عن ابن عباس: كل امرأة تزوّجها أبوك وابنك دخل أو لم يدخل فهي عليك حرام.

واختلف في معنى قوله: {إلاّ ما قَدْ سَلَفَ}؛ فقال بعضهم: معناه: لكن ما قد سلف فدعوه.

وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تنكحوا نكاح آبائكم، بمعنى: ولا تنكحوا كنكاحهم كما نكحوا على الوجوه الفاسدة التي لا يجوز مثلها في الإسلام، {إنّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتا وَسَاءَ سَبِيلاً} يعني: أن نكاح آبائكم الذي كانوا ينكحونه في جاهليتهم كان فاحشة ومقتا وساء سبيلاً، إلا ما قد سلف منكم في جاهليتكم من نكاح لا يجوز ابتداء مثله في الإسلام، فإنه معفوّ لكم عنه.

وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء بالنكاح الجائز كان عقده بينهم، إلا ما قد سلف منهم من وجوه الزنا عندهم، فإن نكاحهنّ لكم حلال كان لأنهنّ لم يكنّ لهم حلائل، وإنما ما كان من آبائكم منهنّ من ذلك فاحشة ومقتا وساء سبيلاً.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب على ما قاله أهل التأويل في تأويله، أن يكون معناه: ولا تنكحوا من النساء نكاح آبائكم إلا ما قد سلف منكم، فمضى في الجاهلية، فإنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلاً، فيكون قوله: {مِنَ النّساءِ} من صلة قوله: {وَلا تَنْكِحُوا} ويكون قوله: {ما نَكَحَ آباؤكُمْ} بمعنى المصدر، ويكون قوله: {إلاّ ما قَدْ سَلَفَ} بمعنى الاستثناء المنقطع، لأنه يحسن في موضعه: لكن ما قد سلف فمضى، إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلاً.

فإن قال قائل: وكيف يكون هذا القول موافقا قول من ذكرت قوله من أهل التأويل، وقد علمت أن الذين ذكرت قولهم في ذلك، إنما قالوا: أنزلت هذه الآية في النهي عن نكاح حلائل الاَباء، وأنت تذكر أنهم إنما نهوا أن ينكحوا نكاحهم؟ قيل له: وإن قلنا إن ذلك هو التأويل الموافق لظاهر التنزيل، إذ كانت ما في كلام العرب لغير بني آدم، وإنه لو كان المقصود بذلك النهي عن حلائل الاَباء دون سائر ما كان من مناكح آبائهم حراما، ابتدئ مثله في الإسلام، بنهي الله جلّ ثناؤه عنه، لقيل: ولا تنكحوا من نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب، إذ كان «من» لبني آدم و«ما» لغيرهم، ولا تقل: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء، فإنه يدخل في «ما» ما كان من مناكح آبائهم التي كانوا يتناكحونها في جاهليتهم، فحرم عليهم في الإسلام بهذه الآية نكاح حلائل الاَباء، وكل نكاح سواه، نهى الله تعالى ذكره ابتداء مثله في الإسلام، مما كان أهل الجاهلية يتناكحونه في شركهم.

{إلاّ ما قَدْ سَلَفَ}: إلا ما قد مضى.

{إنّهُ كان فاحِشَةً}: إن نكاحكم الذي سلف منكم، كنكاح آبائكم المحرّم عليكم ابتداء مثله في الإسلام بعد تحريمي ذلك عليكم فاحشة، يقول: معصية، {وَمَقْتا وَساءَ سَبِيلاً}: أي بئس طريقا ومنهجا ما كنتم تفعلون في جاهليتكم من المناكح التي كنتم تتناكحونها.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

قيل في معنى الآية قولان: أحدهما: إنه حرم عليهم ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من نكاح امرأة الاب.

والثاني: أن يكون "ما نكح "بمنزلة المصدر، والتقدير: ولا تنكحوا نكاح آبائكم، أي مثل نكاح آبائكم، فعلى هذا يدخل فيه النهي عن حلائل الاباء.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

تشير الآية إلى حفظ الذمام، والوقوف على حدّ الاحترام، فإن السَّجيَّةَ تتداخلها الأَنَفةُ من أن ينكح فِراشَه غيرُه، فنهى الأبناء عن تخطي حقوق الآباء في استفراش منكوحة الأب.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

(إنه كان فاحشة ومقتا) قيل "كان ": فيه صلة، وتقديره: إنه فاحشة. وقيل: "كان "في موضعه، ومعناه: أنه كان في الجاهلية يعدونه فاحشة ومقتا، وكانوا يسمون ولد امرأة الأب: مقيتا. والفاحشة: أقبح معصية، وأما المقت: قال أبو عبيدة هو: المبغضة من الله.

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

فِيهَا تِسْعُ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ النِّكَاحَ أَصْلُهُ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ، فَتَجْتَمِعُ الْأَقْوَالُ فِي الِانْعِقَادِ وَالرَّبْطِ كَمَا تَجْتَمِعُ الْأَفْعَالُ فِي الِاتِّصَالِ وَالضَّمِّ، لَكِنَّ الْعَرَبَ عَلَى عَادَتِهَا خَصَّصَتْ اسْمَ النِّكَاحِ بِبَعْضِ أَحْوَالِ الْجَمْعِ وَبَعْضِ مَحَالِّهِ، وَمَا تَعَلَّقَ بِالنِّسَاءِ، وَاقْتَضَى تَعَاطِيَ اللَّذَّةِ فِيهَا، وَاسْتِيفَاءَ الْوَطَرِ مِنْهَا، وَعَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ جَاءَتْ الْآثَارُ وَالْآيَاتُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: {مَا نَكَحَ}.

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَلِمَةِ "مَا "هَلْ يُخْبَرُ بِهَا عَمَّا يَعْقِلُ أَمْ لَا؟ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي رِسَالَةِ "مُلْجِئَةِ الْمُتَفَقِّهِينَ" أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَعْمَلٌ فِي اللُّغَةِ شَائِعٌ فِيهَا، وَفِي الشَّرِيعَةِ.

وَجَهِلَ الْمُفَسِّرُونَ هَذَا الْمِقْدَارَ، وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي ذَلِكَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمَعْنَى وَلَا تَنْكِحُوا نِكَاحَ آبَائِكُمْ يَعْنِي النِّكَاحَ الْفَاسِدَ الْمُخَالِفَ لِدِينِ اللَّهِ؛ إذْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَحْكَمَ وَجْهَ النِّكَاحِ، وَفَصَّلَ شُرُوطَهُ.

وَالْمَعْنَى الصَّحِيحُ: وَلَا تَنْكِحُوا نِسَاءَ آبَائِكُمْ، وَلَا تَكُونُ (مَا) هُنَا بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ؛ لِاتِّصَالِهَا بِالْفِعْلِ، وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَبِمَعْنَى مَنْ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَمْرَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّحَابَةَ إنَّمَا تَلَقَّتْ الْآيَةَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَمِنْهُ اسْتَدَلَّتْ عَلَى مَنْعِ نِكَاحِ الْأَبْنَاءِ حَلَائِلَ الْآبَاءِ.

الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: {إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} تَعَقَّبَ النَّهْيَ بِالذَّمِّ الْبَالِغِ الْمُتَتَابِعِ؛ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ انْتِهَاءٌ مِنْ الْقُبْحِ إلَى الْغَايَةِ، وَذَلِكَ هُوَ خَلَفُ الْأَبْنَاءِ عَلَى حَلَائِلِ الْآبَاءِ؛ إذْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَسْتَقْبِحُونَهُ وَيَسْتَهْجِنُونَ فَاعِلَهُ وَيُسَمُّونَهُ الْمَقْتِيَّ؛ نَسَبُوهُ إلَى الْمَقْتِ.

فَأَمَّا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ وَلَا يَبْلُغُ إلَى هَذَا الْحَدِّ.

...

...

...

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}.

يَعْنِي مِنْ فِعْلِ الْأَعْرَابِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ كَانَتْ الْحَمِيَّةُ تَغْلِبُ عَلَيْهِ، فَيَكْرَهُ أَنْ يَعْمُرَ فِرَاشَ أَبِيهِ غَيْرُهُ، فَيَعْلُو هُوَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَسْتَمِرُّ عَلَى الْعَادَةِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ، فَعَطَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْعَفْوِ عَمَّا مَضَى.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، وَصَدَقُوا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِبَاحَةِ الْمَحْظُورِ، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ عَفْوٍ سَحَبَ ذَيْلَهُ عَمَّا مَضَى مِنْ عَمَلِهِم الْقَبِيحِ؛ فَصَارَ تَقْدِيرُهُ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ فَإِنَّكُمْ غَيْرُ مُؤَاخَذِينَ بِهِ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: مَعْنَى قَوْلِهِ: {كَانَ} أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْمَقْتِ وَالْفُحْشِ، دَلِيلُهُ الْقَاطِعُ: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}، وَهُوَ يَكُونُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ صِفَتِهِ الَّتِي هُوَ كَائِنٌ عَلَيْهَا، كَذَلِكَ فَسَّرَ هَذَا كُلَّهُ الْحَبْرُ وَالْبَحْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ...

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: إذَا نَكَحَ الْأَبُ وَالِابْنُ نِكَاحًا فَاسِدًا حَرُمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَن انْعَقَدَ لِصَاحِبِهِ عَقْدٌ فَاسِدٍ عَلَيْهِ مِنْ النِّسَاءِ، كَمَا يَحْرُمُ بِالصَّحِيحِ.

وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ؛ فَإِنْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ لَمْ يُوجِبْ حُكْمًا وَلَا تَحْرِيمًا، وَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ تَعَلَّقَ بِهِ إلَى الْحُرْمَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّحِيحِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ نِكَاحًا، فَيَدْخُلَ تَحْتَ مُطْلَقِ اللَّفْظِ؛ وَالْفُرُوجُ إذَا تَعَارَضَ فِيهَا التَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ غُلِّبَ التَّحْرِيمُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: إذَا لَمَسَهَا الْأَبُ أَو الِابْنُ فَإِنَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا فِي التَّحْرِيمِ كَالْوَطْءِ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ؛ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِاللَّمْسِ مِنْ التَّحْرِيمِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ عَلَى قَوْلَيْنِ؛ فَعِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ مِثْلُهُ؛ وَتَفْصِيلُ بَيَانِهِ فِي الْمَسَائِلِ.

وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّمْسِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ اسْمٌ مُخْتَصٌّ بِالْجِمَاعِ أَوْ الْعَقْدِ؛ وَلَيْسَ يَنْطَلِقُ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ لُغَةً وَلَا حَقِيقَةً.

وَهَذَا فَاسِدٌ؛ فَإِنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ النِّكَاحَ هُوَ الِاجْتِمَاعُ، وَإِذَا قَبَّلَ أَوْ عَانَقَ فَقَدْ وُجِدَ الْمَعْنَى مِنْ اللَّفْظِ حَقِيقَةً، فَوَجَبَ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ.

فَإِنْ قِيلَ النِّكَاحُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَقْدِ.

قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ، بَلْ هُمَا سَوَاءٌ، يَتَصَرَّفُ الْمَعْنَى فِيهِمَا تَحْتَ اللَّفْظِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِحَسَبِ أَدِلَّتِهِ وَاحْتِمَالَاتِهِ، وَانْتِظَامِ الْمَعْنَى وَالْحُكْمِ مَعَهُ.

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: إذَا نَظَرَ إلَيْهَا بِلَذَّةٍ هُوَ وَأَبُوهُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمَا عِنْدَنَا؛ نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ، فَجَرَى مَجْرَى النِّكَاحِ فِي التَّحْرِيمِ؛ إذ الْأَحْكَامُ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَعَانِي لَا بِالْأَلْفَاظِ.

وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِن الِاجْتِمَاعِ بِالِاسْتِمْتَاعِ؛ فَإِنَّ النَّظَرَ اجْتِمَاعٌ وَلِقَاءٌ، وَفِيهِ بَيْنَ الْمُحِبِّينَ اسْتِمْتَاعٌ...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

الكلام متصل بعضه ببعض في الأحكام المتعلقة بالنساء، وقد كان منها في أوائل السورة حكم نكاح اليتامى وعدد ما يحل من النساء بشرطه. وفي الآية التي قبل هاتين الآيتين ذكر استبدال زوج مكان زوج بأن يطلق هذه وينكح تلك، فلا غرو أن يصل ذلك ببيان ما يحرم نكاحه منهن، وقد بين ما يجب من المعروف في معاشرتهن.

أقول: قدم هذا النكاح على غيره وجعله في آية خاصة ولم يسرده مع سائر المحرمات في الآية الأخرى لأنه على قبحه كان فاشيا في الجاهلية، ولذلك ذمه بمثل ما ذم به الزنا للتنفير عنه كما ترى في آخر الآية. أخرج ابن سعد عن محمد بن كعب قال كان الرجل إذا توفي عن امرأته كان ابنه أحق بها أن ينكحها إن شاء إن لم تكن أمه أو ينكحها من شاء فلما مات أبو قيس بن الأسلت قام ابنه محصن فورث نكاح امرأته أم عبيد بنت ضمرة ولم ينفق عليها ولم يورث من المال شيئا فأتت النبي (صلى الله عليه وسلم) فذكرت ذلك له فقال:"ارجعي لعل الله ينزل فيك شيئا" فنزلت: (ولا تنكحوا) الآية. ونزلت أيضا: (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) أي نزلت هذه الآيات عقب وقوع هذه الحادثة وأمثالها وتقدم ذكر القصة بلفظ آخر عند تفسير الآية الأولى وما هي ببعيد.

وقوله تعالى: (إلا ما قد سلف) معناه لكن ما سلف من ذلك لا تؤاخذون عليه وقال بعضهم معناه إلا ما قد مات منهن، ورووه عن أبي كعب وقالوا إن المراد به المبالغة في تأكيد التحريم. وقطع عرق هذه الفاحشة وسد باب إباحتها سدا محكما وهو ليس بظاهر عندي (إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا) أي إن نكاح حلائل الآباء كان ولا يزال في الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، وأيدتها الشريعة التي هداهم إليها، أمرا فاحشا شديد القبح عند من يعقل ومقتا أي ممقوتا مقتا شديدا عند ذوي الطباع السليمة حتى كأنه نفس المقت وهو البغض الشديد أو بغض الاحتقار والاشمئزاز، وكانوا يسمون هذا النكاح في الجاهلية نكاح المقت وسمي الولد منه مقتيا ومقيتا أي مبغوضا محتقرا (وساء سبيلا) أي بئس طريقا طريق ذلك النكاح الذي اعتادته الجاهلية وبئس من يسلكه.

وقال الأستاذ الإمام:

إن هذا النكاح وإن كان سبيلا مسلوكا إلا أنه سبيل سيء ولم يزده السير فيه إلا قبحا ومقتا. وقال الإمام الرازي "مراتب القبح ثلاث: القبح العقلي والقبح الشرعي والقبح العادي وقد وصف الله سبحانه هذا النكاح بكل ذلك فقوله سبحانه: (فاحشة) إشارة إلى مرتبة قبحه العقلي وقوله تعالى: (ومقتا) إشارة إلى مرتبة قبحه الشرعي وقوله: (وساء سبيلا) إشارة إلى مرتبة قبحه العادي".

أقول: والظاهر أن الأخير يُراد به القبح العادي أي إنه عادة ولكنها قبيحة وما قبله يُراد به القبح الطبعي أي إن الطباع تمقت هذه لاستقباحها إياه والأول كما قال الرازي يراد به القبح العقلي كما أشرنا إلى ذلك عند تفسير العبارات. وفاته هو ذكر القبح الطبعي. وأما ما في ذلك من القبح الشرعي فإنما يعرف بورود الوحي بتحريمه فهو مرتبة رابعة. فالله تعالى قد حرم نكاح حلائل الآباء وعلله بما فيه من هذه القبائح الثلاث.

هذا ما جرى عليه الجمهور في تفسير الآية وقال بعضهم إن (ما) في قوله: (ما نكح آباؤكم من النساء) مصدرية أي لا تنكحوا النساء أيها المؤمنون كما كان ينكح أباؤكم في الجاهلية بتلك الطرق الفاسدة كالنكاح بدون شهود ونكاح الشغار وهو المبادلة في الزواج بأن يزوج الرجل من له الولاية عليها رجلا آخر على أن يزوجه هذا موليته ولا مهر لواحدة منهما بل كل منهما تكون كمهر للأخرى.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وفي نهاية هذه الفقرة يحرم تحريما باتا -مع التفظيع والتبشيع- أن ينكح الأبناء ما نكح آباؤهم من النساء. وقد كان ذلك في الجاهلية حلالا. وكان سببا من أسباب عضل النساء أحيانا، حتى يكبر الصبي فيتزوج امرأة أبيه، أو إن كان كبيرا تزوجها بالوراثة كما يورث الشيء! فجاء الإسلام يحرم هذا الأمر أشد التحريم. نقول: يبدو لنا من حكمة هذا التحريم ثلاثة اعتبارات: الأول أن امرأة الأب في مكان الأم. والثاني: ألا يخلف الابن أباه؛ فيصبح في خياله ندا له. وكثيرا ما يكره الزوج زوج امرأته الأول فطرة وطبعا، فيكره أباه ويمقته!

والثالث: ألا تكون هناك شبهة الإرث لزوجة الأب. الأمر الذي كان سائدا في الجاهلية. وهو معنى كريه يهبط بإنسانية المرأة والرجل سواء. وهما من نفس واحد، ومهانة أحدهما مهانة للآخر بلا مراء. لهذه الاعتبارات الظاهرة -ولغيرها مما يكون لم يتبين لنا- جعل هذا العمل شنيعا غاية الشناعة.. جعله فاحشة. وجعله مقتا: أي بغضا وكراهية. وجعله سبيلا سيئا.. إلا ما كان قد سلف منه في الجاهلية، قبل أن يرد في الإسلام تحريمه. فهو معفو عنه. متروك أمره لله سبحانه..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عطف على جملة {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً} [النساء: 19]، والمناسبة أنّ من جملة أحوال إرثهم النساء كرها، أن يكون ابن الميّت أولى بزوجة أبيه، إذا لم تكن أمَّهُ، فنهوا عن هذه الصورة نهياً خاصّاً مغلّظاً، وتُخلّص منه إلى إحصاء المحرّمات.

و {ما نَكح} بمعنى الذي نكح مراد به الجنس، فلذلك حسن وقع {ما} عوض (مَن) لأنّ (مَن) تكثير في الموصول المعلوم، على أنّ البيان بقوله: {من النساء} سوّى بين (ما ومن) فرجحت (مَا) لخفّتها، والبيان أيضاً يعيّن أن تكون (ما) موصولة. وعدل عن أن يقال: لا تنكحوا نساء آبائكم ليدلّ بلفظ نكح على أنّ عقد الأب على المرأة كاف في حرمة تزوّج ابنه إياها. وذكر {من النساء} بيان لكون (ما) موصولة.

والنهي يتعلّق بالمستقبل، والفعل المضارع مع النهي مدلوله إيجاد الحدث في المستقبل، وهذا المعنى يفيد النهي عن الاستمرار على نكاحهنّ إذا كان قد حصل قبل ورود النهي. والنكاح حقيقة في العقد شرعا بين الرجل والمرأة على المعاشرة والاستمتاع بالمعنى الصحيح شرعاً، وتقدّم أنّه حقيقة في هذا المعنى دون الوطء عند تفسير قوله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره} في سورة البقرة (230)، فحرام على الرجل أن يتزوَّج امرأةً عقَد أبوه عليها عقد نكاح صحيح، ولو لم يدخل بها، وأمّا إطلاق النكاح على الوطء بعقد فقد حمل لفظَ النكاح عليه بعضُ العلماء، وزعموا أنَّ قوله تعالى: {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره} أُطلِق فيه النكاح على الوطء لأنّها لا يُحلّها لمطلّقها ثلاثاً مجرّد العقد أي من غير حاجة إلى الاستعانة ببيان السنّة للمقصود من قوله: {تنكح} وقد بيّنت ردّ ذلك في سورة البقرة عند قوله تعالى: {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره}.

وأما الوَطْءُ الحرام من زنى فكونه من معاني النكاح في لغة العرب دعوى واهية.

و {ما قد سلف} هو ما سبق نزولَ هذه الآية أي إلاّ نكاحاً قد سلف فتعيّن أنّ هذا النكاح صار محرَّماً. ولذلك تعيّن أن يكون الاستثناء في قوله: {إلا ما قد سلف} مؤوَّلا إذ ما قد سلف كيف يستثنى من النهي عن فعله وهو قد حصل، فتعيّن أنّ الاستثناء يرجع إلى ما يقتضيه النهي من الإثم، أي لا إثم عليكم فيما قد سلف. ثم ينتقل النظر إلى أنّه هل يقرّر عليه فلا يفرّق بين الزوجين اللذين تزوّجا قبل نزول الآية، وهذا لم يقل به إلاّ بعض المفسّرين فيما نقله الفخر، ولم أقف على أثر يُثبت قضية معيّنة فرّق فيها النبي صلى الله عليه وسلم بين رجل وزوج أبيه ممّا كان قبل نزول الآية، ولا على تعيين قائل هذا القول، ولعل الناس قد بادروا إلى فراق أزواج الآباء عند نزول هذه الآية.

وجوّزوا أن يكون الاستثناء من لازم النهي وهو العقوبة أي لا عقوبة على ما قد سلف. وعندي أنّ مثل هذا ظاهر للناس فلا يحتاج للاستثناء، ومتى يظنّ أحد المؤاخذة عن أعمال كانت في الجاهلية قبل مجيء الدين ونزول النهي.

والمقت اسم سَمَّتْ به العرب نكاح زوج الأب فقالوا نكاح المقت أي البغض، وسمّوا فاعل ذلك الضيزن، وسمَّوْا الابنَ من ذلك النكاح مَقيتا.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

كانت الآيات السابقة في بيان تحريم ظلم المرأة في حال الزوجية وظلمها بعد وفاة زوجها، وظلمها عند إرادة الافتراق عنها. وفي هذه الآيات يبين الله سبحانه من يحل من النساء الزواج بهن، ومن لا يحل، وإذا كانت الآيات السابقة لدعم الأسرة بمنع الظلم؛ لأن العدل به قوام الأسرة وقوتها، ومنع الظلم تقوية سلبية، فالآيات التي تبين المحرمات من النساء تبين أسباب قوة الأسرة من ناحية المودة التي تربط بين الزوجين برباط الرحمة والمحبة، وتجعل الزواج مثمرا ثمراته الطيبة من العلاقة الزوجية التي لا ترنقها علاقة أخرى. وقد ابتدأ سبحانه ببيان تحريم زوجة الآباء إذا افترقوا عنها، فكما أن الرجل لا يحل له أن يرث حق تزويج زوجة أصله، كذلك لا يحل له أن يتزوجها. وقد ابتدأ بهذا النوع من التحريم لتناسبه مع منع ميراث حق التزويج للنساء. ولذلك قال سبحانه: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف}.

كان فاشيا بين العرب في الجاهلية أن يتزوج الرجل امرأة أبيه إذا مات عنها أبوه، وكان ذلك يؤدي إلى منعها من حرية الاختيار في الزواج، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك في الماضي من الآيات الكريمات، وهنا يمنع تزويج الولد ممن كانت زوجة أبيه، بل ممن كانت زوجة آبائه على وجه العموم؛ وذلك لأن كلمة "آباؤكم "تشمل كل الأصول من الرجال أي تشمل الأجداد جميعا سواء كانوا من جهة أبيه أم كانوا من جهة أمه، وذلك من قبيل الإطلاق المجازي...

والتحريم له حكمته. فإنه يتنافى فيما للآباء من وقار، ومما يجب لهم من حسن صحبة، ولأن امرأة الأب لا تحتشم على الابن، فلو كانت تحل له بعد الفراق لتطلعت النفس إليها، وقد ترغب فيه، فتفارق الأب أو تغاضبه طمعا في ابنه، ولا إساءة إلى الأب أبلغ من هذا، فكان المنع لأجل الرحم والمودة في القربى، وحسن الصحبة. والعقد ذاته سبب التحريم، فإذا عقد الأب أو الجد فإنها تكون حراما على الأبناء والأحفاد، ولو لم يدخل بها؛ لأن ذلك ما يقتضيه الإحسان إلى الوالدين.

وفي النص إشارة إلى أنه لا عقوبات من غير نص محرم، وهؤلاء كانوا يرتكبون ما يرتكبون مستحلين له، فلما جاء النص القاطع المحرم كان العقاب، ولا عقاب قبل النص المحرم.

وإن ذلك النوع من النكاح سيئ في ذاته، لا يقدم عليه كريم.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

يتناول الحق سبحانه وتعالى قضية يستديم بها طهر الأسرة وعفافها وكرامتها وعزتها، ويبقى لأطراف الأسرة المحبة والمودة فلا يدخل شيء يقضي على هذه المحبة والمودة ويدخل نزغ الشيطان فيها. قال الحق سبحانه:

{ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا 22}.

فكأن هذه مسألة كانت موجودة، كان ينكح الولد زوج أبيه التي هي غير أمه... ويريد الحق سبحانه وتعالى أن يبعد هذه القضية من محيط الأسرة، لماذا؟. لأن الأب والابن لهما من العلاقات كالمودة والرحمة والحنان والعطف من الأب، والبر والأدب، والاستكانة، وجناح الذل من الابن، فحين يتزوج الرجل امرأة وله ابن، فذلك دليل على أن الأب كان متزوجا أمه قبلها، وكأن الزيجة الجديدة طرأت على الأسرة.

وسبحانه يريد ألا يجعل العين من الولد تتطلع إلى المرأة التي تحت أبيه، وربما راقته، ربما أعجبته، فإذا ما راقته وأعجبته فأقل أنواع التفكير أن يقول بينه وبين نفسه: بعدما يموت أبي أتزوجها، فحين يوجد له الأمل في أنه بعدما يموت والده يتزوجها؛ ربما يفرح بموت أبيه، هذا إن لم يكن يسعى في التخلص من أبيه، وأنتم تعلمون سعار الغرائز حين تأتي، فيريد الحق سبحانه وتعالى أن يقطع على الولد أمل الالتقاء ولو بالرجاء والتمني، وأنه يجب عليه أن ينظر إلى الجارية أو الزوجة التي تحت أبيه نظرته إلى أمه، حين ينظر إليها هذه النظرة تمتنع نزعات الشيطان. فيقول الحق:"ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم" والنكاح هنا يطلق فينصرف إلى الوطء والدخول، وقد ينصرف إلى العقد، إلا أن انصرافه إلى الوطء والدخول أي العملية الجنسية هو الشائع والأولى، لأن الله حينما يقول: "الزاني لا ينكح إلا زانية "معناها أنه ينكح دون عقد وأن تتم العملية الجنسية دون زواج.

والحق هنا يقول: "ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف" فما هو السلف هذا؟ إن ما سلف كان موجودا، أي جاء الإسلام فوجد ذلك الأمر متبعا، وجاء الإسلام بتحريم مثل هذا الأمر. فالزمن الجديد بعد الإسلام لا يحل أن يحدث فيه ذلك وإن كان عقد النكاح قد حدث قبل الإسلام، ولذلك قال سبحانه: "إلا ما قد سلف" فجاء ب (ما) وهي راجعة للزمن. كأن الزمن الجديد لا يوجد فيه هذا.

هب أن واحدا قد تزوج بامرأة أبيه ثم جاء الحكم.. أيقول سلف أن تزوجتها قبل الحكم! نقول: لا الزمن انتهى، إذن فقوله: "ما قد سلف" يعني الزمن، ومادام الزمن انتهى يكون الزمن الجديد ليس فيه شيء من مثل تلك الأمور. لذا جاءت (ما) ولو جاءت (من) بدل (ما) لكان الحكم أن ما نكحت قبل الإسلام تبقى معه، لكنه قال (إلا ما قد سلف) فلا يصح في المستقبل أن يوجد منه شيء البتة ويجب التفريق بين الزوجين فيما كان قائما من هذا الزواج.

والحق سبحانه وتعالى يريد أن يبين لنا أنه حين يشرع فهو يشرع ما تقتضيه الفطرة السليمة. فلم يقل: إنكم إن فعلتم ذلك يكون فاحشة، بل إنه برغم وجوده من قديم كان فاحشة وكان فعلا قبيحا "إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا" وما كان يصح بالفطرة أن تكون هذه المسألة على تلك الصورة، إلا أن الناس عندما فسدت فطرتهم لجأوا إلى أن يتزوج الرجل امرأة أبيه.

إذن فقوله: "إنه كان" أي قبل أن أحكم أنا هذا الحكم "كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا". فالله يوضح: إنني أشرع لكم ما تقتضيه الفطرة. والفطرة قد تنطمس في بعض الأمور، وقد لا تنطمس في البعض الآخر لأن بعض الأمور فاقعة وظاهرة والتحريم فيها يتم بالفطرة.

مثال ذلك: أن واحدا ما تزوج أمه قبل ذلك، أو تزوج ابنته، أو تزوج أخته. إذن ففيه أشياء حتى في الجاهلية ما اجترأ أحد عليها. إذن جاء بالحكم الذي يحرم ما اجترأت عليه الجاهلية وتجاوزت وتخطت فيه الفطرة، فقال سبحانه:"ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف "أي مضى.

لقد وصف سبحانه نجاح الأبناء لزوجات آبائهم بأنه" كان فاحشة "أي قبحا، و" مقتا "أي مكروها،" وساء سبيلا "أي في بناء الأسرة.