الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَمَقۡتٗا وَسَآءَ سَبِيلًا} (22)

( وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُم ) الآية [ 22 ] .

قوله : ( إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ) إنما دخلت كان عند المبرد هاهنا زائدة( {[11962]} ) ، والمعنى أنه كان فاحشة على كل حال ويكون( {[11963]} ) . وقال الزجاج : لا يجوز زيادة كان هاهنا لأنها قد عملت ، ولكنها غير جائزة ، ومعناها أنه كان مستقبحاً عندهم ، والجاهلية يسمونه فاحشة فخوطبوا بما كان عندهم .

وقوله : ( الاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ) هو أن الأبناء كانوا في الجاهلية ينكحون نساء آبائهم وهو من الاستثناء المنقطع( {[11964]} ) ، المعنى لكن ما سلف دعوه فإنه مغفور ، وقيل( {[11965]} ) المعنى ( الاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ) . فإنكم لا تؤاخذون به .

قال ابن بكير : نهى الله عز وجل أن يفعلوا ( ما كان )( {[11966]} ) أهل الجاهلية يفعلونه كان الرجل يخلف أباه على زوجته إذا توفي الأب ، وقوله : ( الاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ) معناه لكن ما قد سلف في الجاهلية و( إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً ) فهو ذم لما كانوا عليه( {[11967]} ) .

ذم الله تعالى ما كانوا عليه في آخر الآية ، ونهى عنه في أولها هذا معنى قول ابن بكير ، ف " ما " بمعنى من في هذه الأقوال ، والمعنى : ولا تتزوجوا النساء اللواتي تزوجهن آباءكم ، فحرم الله أن يتزوج الرجل المرأة التي تزوجها أبوه دخل بها أو لم يدخل ، لأنه إذا عقد عليها فهو نكاح ، وحرم أن يتزوج الرجل زوجة ابنه مثل قوله تعالى : ( وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ ) دخل الابن بها ، أو لم يدخل تحرم على الأب بالعقد( {[11968]} ) .

وقيل( {[11969]} ) : معنى الآية : ( وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُم ) : كنكاح آبائكم الفاسد الذي لا يجوز مثله في الإسلام ، لكن ما سلف فإنه معفو عنه . والمعنى عند الطبري( {[11970]} ) ، ولا تنكحوا من النساء نكاح آبائكم ، إلا ما قد سلف في الجاهلية ، ومضى ب ( إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمقْتاً )( {[11971]} ) ، فمن متعلقة عنده بتنكحوا ( مَا نَكَحَ ) بمعنى استثناء( {[11972]} ) منقطع ، وهو قول أهل التأويل فيما ذكره الطبري لأن " ما " لا تكون لمن يعقل ، فقال : ولو كان المعنى لا تنكح النساء اللواتي نكح آباؤكم لوجب أن يكون موضع ( ما ) من وهو معنى قول الزجاج( {[11973]} ) ، فالنهي إنما وقع على ألا ينكحوا مثل ( نكاح )( {[11974]} ) آبائهم ، ولم يقع على ألا ينكحوا حلائل الأبناء ، والقول الأول يكون النهي إنما وقع على ألا ينكحوا حلائل الأبناء ( فتكون )( {[11975]} ) ، " ما " لمن يعقل .

وقيل( {[11976]} ) : المعنى ( الاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ) من فعلكم ذلك ، فإنه كان فاحشة ومقتاً ، فلا تفعلوه ، فحرّم الله نكاح ما نكحه( {[11977]} ) الآباء ومثله ( وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الاُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ) أي ما سلف من فعلكم ، فإنه مغفور لكم ، فلا تفعلوه الآن ، فهو حرام .

وقوله : ( إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً ) أي لم يزل كذلك .

وقيل : كان زائدة والمعنى إنه فاحشة( {[11978]} ) .

وعقد الأب يحرم على الابن ، وكذلك عقد الابن يحرم على الأب( {[11979]} ) بإجماع( {[11980]} ) .

ومعنى : ( إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ) أنهم كانوا يفعلونه ، ويعلمون قبحه .

ومعنى ( وَمَقْتاً ) هو أنهم كانوا إذا ولد للرجل ولد من امرأة أبيه سمي ولد مقت ، وأولاد المقت معروفون عند أهل النسب يقولون : فلان مقتي النسب( {[11981]} ) ، والمقت أشد البغض( {[11982]} ) .

( وَسَاءَ سَبِيلاً ) أي : ساء فعلهم طريقاً ، ونصبه على التفسير والبيان .


[11962]:- كذا... والصواب... هاهنا لأنها زائدة. انظر: المقتضب 4/116-117.
[11963]:- هذا من كلام مكي تأول به رأي المبرد إن كان لا يراد بها تقييد الخبر بالزمن الماضي فصارت زائدة وعده الزجاج غلطاً، لأن كان لو كانت زائدة لم تنصب الخبر. انظر: معاني الزجاج 2/33.
[11964]:- لأنه لا يجوز استثناء الماضي من المستقبل والمعنى ما ذكر. انظر: الكشاف 1/515، والتفسير الكبير 10/25.
[11965]:- هو توجيه للطبري في جامع البيان 4/318.
[11966]:- ساقط من (ج).
[11967]:- انظر: جامع البيان 4/318-319.
[11968]:- المرجع السابق.
[11969]:- رأي ذكره الطبري ولم ينسبه. انظر: جامع البيان 318.
[11970]:- (ج): البصري وهو خطأ.
[11971]:- هو اختيار الطبري في جامع البيان.
[11972]:- (أ) (ج): بياض بين الكلمتين ويظهر أن هناك حذفاً لعدم وضوح المعنى وفي جامع البيان 4/319 (وَمَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُم) بمعنى المصدر.
[11973]:- انظر: معاني الزجاج 2/32.
[11974]:- ساقط من (أ).
[11975]:- المصدر السابق.
[11976]:- انظر: هذا التوجه في جامع البيان 4/318.
[11977]:- (ج): ما نكح.
[11978]:- تقدم هذا فلا وجه لإعادته.
[11979]:- تقدم فلا وجه لإعادته.
[11980]:- انظر: مراتب الإجماع 76.
[11981]:- يقال فلان مقتي ومقتوي، وكان الأشعث بن قيس منهم تزوج قيس بن معد يكرب امرأة أبيه فولدت له الأشعث، وكان أبو عمرو بن أمية بن خلف على العامرية امرأة أبيه فولدت له أبا معيط. انظر: مجاز القرآن 1/121، وجامع البيان 4/318.
[11982]:- المقت بفتح الميم البغض الشديد لمن تراه تعاطى القبيح والصفة: مقيت، وأما المُقيت بضم الميم فهو المقيت الحافظ على كل شيء. وهو من أسماء الله الحسنى. انظر: تفسير أسماء الله الحسنى: 48 والمفردات 430، واللسان (مقت) 2/90.