بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَمَقۡتٗا وَسَآءَ سَبِيلًا} (22)

ثم بيّن ما يحل للرجال من النساء وما لا يحل فقال تعالى : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مّنَ النساء } يعني : لا تتزوجوا من قد تزوج آباؤكم من النساء ، ويقال : اسم النكاح يقع على الجماع والتزوج ، فإن كان الأب تزوج امرأة أو وطئها بغير نكاح ، حرمت على ابنه . وقوله : { إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } يقول : لا تفعلوا ما قد فعلتم في الجاهلية ، وكان الناس يتزوج الرجل منهم امرأة الأب برضاها بعد نزول قوله { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النساء كَرْهاً } حتى نزلت هذه الآية { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ } الآية . فصار حراماً في الأحوال كلها . ويقال : { إلا ما قد سلف } ، يعني ولا ما قد سلف كقوله تعالى { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ الله وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً } [ النساء : 92 ] ولا خطأ . وقد قيل : إن في الآية تقديماً وتأخيراً ، ومعناه ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ، فإنكم إن فعلتم تؤاخذون وتعاقبون إلا ما قد سلف ، { إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً } إلا ما قد سلف . وقد قيل : إن في الآية إضماراً تقول : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ } من النساء ، فإنكم إن فعلتم تعاقبون وتؤاخذون { إلا ما قد سلف } . ثم قال : { إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } أي معصية { وَمَقْتاً } أي بغضاً { وَسَاء سَبِيلاً } أي بئس المسلك .