الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{نَحۡنُ أَوۡلِيَآؤُكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَشۡتَهِيٓ أَنفُسُكُمۡ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} (31)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

تقول الحفظة يومئذ للمؤمنين: {نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا}، ونحن أولياؤكم اليوم {وفي الآخرة ولكم فيها} يعني في الجنة، {ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون} يعني مما تتمنون.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل ملائكته التي تتنزل على هؤلاء المؤمنين الذين استقاموا على طاعته عند موتهم:"نَحْنُ أوْلَياؤكُمْ" أيها القوم "فِي الحَياةِ الدّنْيا "كنا نتولاكم فيها، وذكر أنهم الحفظة الذين كانوا يكتبون أعمالهم... وقوله: "وفِي الآخِرَةِ" يقول: وفي الآخرة أيضا نحن أولياؤكم، كما كنا لكم في الدنيا أولياء.

"وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أنْفُسُكُمْ" يقول: ولكم في الآخرة عند الله ما تشتهي أنفسكم من اللذّات والشهوات.

وقوله: "وَلَكُمْ فِيها ما تدّعُونَ" يقول: ولكم في الآخرة ما تدّعون.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ} هذا يخرّج على وجهين:

أحدهما: يشبه أن يكون هذا القول من الذين بشّروهم بما بشّروا، يقولون: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ}.

والثاني: يشبه أن يكون ذلك من الله تعالى، وإن كان المذكور على إثر البشارة الملائكة، وذلك كقوله تعالى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [غافر: 50 و51].

ثم إن ذلك كان من الله عز وجل فيكون تأويله: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ} في عصمتكم {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وأولى بكم في الآخرة في المعونة، أو يقول: نحن أولى بكم في النصر والتوفيق في الدنيا والجزاء والثواب في الآخرة، والله أعلم.

وإن كان ذلك من أولئك الذين بشّروهم فيقولون: {نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا} بالصحبة، فكذلك نكون في الآخرة.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

لما حكى الله تعالى أن الملائكة تتنزل على المؤمنين المستقيمين على طاعة الله التاركين لمعصيته وتبشرهم بالجنة وتؤمنهم من عقاب الله. ذكر أيضا أنهم يقولون لهم مع ذلك "نحن أولياؤكم "وهو جمع ولي أي أنصاركم وأحباؤكم في الحياة الدنيا وأولياؤكم أيضا في الآخرة، ففي ذلك البشارة للمؤمنين بمودة الملائكة لهم وفي الآية بشارة لهم بنيل مشتهاهم في الجنة. وتفيد الآية وجوب اعتقاد تودد الملائكة إلى من كان مستقيما على طاعاته. وفيها حجة على شرف الاستقامة بالطاعة على كل ما عداه من أعمال العباد، يتولى الملائكة لصاحبه من اجله.

"ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم"...ما تدعي أنه لك فهو لك بحكم الله لك بذلك...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

الولاية من الله بمعنى المحبة، وتكون بمعنى النصرة.. والنصرة تصدر من المحبة؛ فلو لم تكن المحبة الأزلية لم تحصل النصرة في الحال.

{نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بتحقيق المعرفة، {وَفِي الآخِرَةِ} بتحصيل المغفرة. ويقال {نَحْنُ أَوْليَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بالعناية، {وَفِي الآخِرَةِ} بحسن الكفاية وجميل الرعاية. {وفِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بالمشاهدة، {وَفِي الآخِرَةِ} بالمعاينة. في الدنيا الرضاء بالقضاء، وفي الآخرة باللقاء في دار البقاء. في الدنيا بالمحبة، وفي الآخرة بالقربة.

{وَلَكُمْ فِيهَا} أي في الجنة {مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ}: الولايةُ نقدٌ، وتحصيل الشهوات وعدٌ، فَمَنْ يشتغل بنقده قلَّما يشتغل بوعده...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

وما أثبتوا لهم الخير، ونفوا عنهم الضير، عللوه بقولهم: {نحن أولياؤكم} أي أقرب الأقرباء إليكم، فنحن نفعل معكم كل ما يمكن أن يفعله القريب {في الحياة الدنيا} نجتلب لكم المسرات ونبعد عنكم المضرات ونحملكم على جميع الخيرات بحيث يكون لكم فيها ما تؤثره العقول بالامتناع مما تهواه النفوس، وإن تراءى للرائين في الدنيا أن الأمر بخلاف ذلك، فنوقظكم من المنام، ونحملكم على الصلاة والصيام ونبعدكم عن الآثام، ضد ما تفعله الشياطين مع أوليائهم.

{وفي الآخرة} كذلك حيث يتعادى الأخلاء إلا الأتقياء.

{ولكم فيها} أي الآخرة في الجنة وقبل دخولها في جميع أوقات الحشر.

{ما تشتهي} ولو على أدنى وجوه الشهوة بما يرشد إليه حذف المفعول.

{أنفسكم} لأجل ما منعتموها من الشهوات في الدنيا {ولكم}.

ولما كان السياق للذين استقاموا العام للسابقين وأصحاب اليمين على ما أشير إليه الختم بصفة المغفرة وتقديمها، قيد بالظرف بخلاف ما في يس فقال: {فيها} أي الآخرة {ما تدعون}.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

قول الملائكة: {نَحْنُ أولِيَاؤُكُم في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وفي الآخِرَةِ} تعريف بأنفسهم للمؤمنين تأنيساً لهم. فإن العلم بأن المتلقِّيَ صاحب قديم يزيد نفس القادم انشراحاً وأنساً ويزيل عنه دهشة القدوم، يُخفف عنه من حشمة الضيافة، ويزيل عنه وحشة الاغتراب، أي نحن الذين كنا في صحبتكم في الدنيا، إذ كانوا يكتبون حسناتهم ويشهدون عند الله بصلاتهم كما في حديث:"يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلّون وتركناهم وهم يصلون". وقد حفظوا العهد فكانوا أولياء المؤمنين في الآخرة، وقد جيء بهذا القول معترضاً بين صفات الجنة ليتحقق المؤمنون أن بشارتهم بالجنة بشارة محب يفرح لحبيبه بالخير ويسعى ليزيده.

واعلم أن قوله: {في الحَياةِ الدُّنيا} إشارة إلى مقابلة قوله في المشركين {وَقَيَّضْنَا لَهُم قُرَنَاءَ} فكما قيّض للكافر قرناء في الدنيا قيّض للمؤمنين ملائكة يكونون قرناءَهم في الدنيا، وكما أنطق أتباعهم باللائمة عليهم أنطق الملائكة بالثناء على المؤمنين.

وهذه الآية تقتضي أن هذا الصنف من الملائكة خاص برفقة المؤمنين وولائهم ولا حظ للكافرين فيهم، فإن كان الحفظة من خصائص المؤمنين كما نقله ابن ناجي في « شرح الرسالة» فمعنى ولايتهم للمؤمنين ظاهر، وإن كان الحفظة موكَّلين على المؤمنين والكافرين كما مشى عليه الجمهور وهو ظاهر قوله تعالى: {كلا بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون} [الانفطار: 9- 12] فهذا صنف من الملائكة موكّل بحفظ المؤمنين في الدنيا، وهم غير الحفظة، وقد يكون هذا الصنف من الملائكة هو المسمى بالمعقبات في قوله تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللَّه} حسب ما تقدم في سورة الرعد (11). وقد دلت عدة آثار متفاوتة في القبول على أن الملائكة الذين لهم علاقة بالناس عموماً أو بالمؤمنين خاصة أصناف كثيرة... ولعل وصف الملائكة المتنزلين بأنهم أولياء يقتضي أن عملهم مع المؤمن عمل صلاح وتأييد مثل إلهام الطاعات ومحاربة الشياطين ونحو ذلك، وبذلك تتم مقابلة تنزلهم على المؤمنين بذكر تقييض القرناء للكافرين، وهذا أحسن.

وجملة {ولَكُم فِيهَا ما تَشْتَهِي أنفُسُكُم} عطف على {التي كُنتُم تُوعَدُون} وما بينهما جملة معترضة كما بينته آنفاً.

ما يدّعون غير ما تشتهيه أنفسهم، ولهذه المغايرة أعيد {لكم} ليؤذن باستقلال هذا الوعد عن سابقه، فلا يتوهم أن العطف عطف تفسير أو عطف عام على خاص.