الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَنَادَىٰ فِرۡعَوۡنُ فِي قَوۡمِهِۦ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِيٓۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} (51)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ونادى فرعون} القبطي {في قومه} القبط، وكان نداؤه أنه {قال يا قوم أليس لي ملك مصر}.

{وهذه الأنهار تجري من تحتي} من أسفل مني {أفلا} يعني فهلا.

{تبصرون}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"وَنادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ" من القبط، فقالَ "يا قَوْم ألَيْسَ لي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي، أفَلا تُبْصِرُونَ "يعني بقوله: "مِنْ تَحْتِي": من بين يديّ في الجنان...

وقوله: "أفَلا تُبْصِرُونَ" يقول: أفلا تبصرون أيها القوم ما أنا فيه من النعيم والخير، وما فيه موسى من الفقر وعيّ اللسان، افتخر بملكه مصر عدوّ الله، وما قد مكّن له من الدنيا استدراجا من الله له، وحسب أن الذي هو فيه من ذلك ناله بيده وحوله، وأن موسى إنما لم يصل إلى الذي يصفه، فنسبه من أجل ذلك إلى المهانة محتجا على جهلة قومه بأن موسى عليه السلام لو كان محقا فيما يأتي به من الآيات والعبر، ولم يكن ذلك سحرا، لأكسب نفسه من المُلك والنعمة، مثل الذي هو فيه من ذلك جهلاً بالله واغترارا منه بإملائه إياه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يقول اللعين هذا مقابل ما ادّعى موسى عليه السلام من الرسالة، يُموّه بذلك على قومه وأتباعه؛ أي لئن كان الله أرسل رسولا فأنا أحق وأولى بالرسالة من موسى...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

تعزَّزَ بمُلْكَ مصر، وجَرى النيل بأمره! وكان في ذلك هلاكه؛ ليُعْلَمَ أَنَّ مَنْ تعزَّزَ بشيء من دون الله فحتفُه وهلاكُه في ذلك الشيء...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

حاصل الأمر أنه احتج بكثرة أمواله وقوة جاهه على فضيلة نفسه...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ونادى فرعون} أي زيادة على نكثه {في قومه} أي الذين لهم غاية القيام معه، وأمر كلاً منهم أن يشيع قوله إشاعة تعم البعيد كما تشمل القريب، فتكون كأنها مناداة إعلاماً بأنه مستمر على الكفر لئلا يظن بعضهم أنه رجع...

{قال} أي خوفاً من إيمان القبط لما رأى من أن ما شاهدوا من باهر الآيات مثله يزلزل ويأخذ بالقلوب.

{يا قوم} مستعطفاً لهم بإعلامهم بأنهم لحمة واحدة، ومستنهضاً بوصفهم بأنهم ذوو قوة على ما يحاولونه، مقرراً لهم على عذره في نكثه بقوله: {أليس لي} أي وحدي {ملك مصر} أي كله، فلا اعتراض على بني إسرائيل ولا غيرهم، لينتج له ذلك على زعمه أن غلبته على بني إسرائيل ومقاهرته على إخراجهم من تحت يده بغى على من له الملك فتكون فساداً فلا بأس عليه إذا خدع من فعل به ذلك بما عاهده عليه عند مس الضر...

ولما كان قد حصل له مما رأى من الآيات وورد عليه من تلك الضربات بأنواع المثلات، ما أدهشه بحيث صار في عداد من يشك أتباعه في ملكه، دل عليه بما بناه من الحال: {وهذه} أي والحال أن هذه.

{الأنهار} وكأنه كان قد أكثر من تشقيق الخلجان إلى بساتينه وقصوره، ونحو ذلك من أموره فقال: {تجري من تحتي} أي من أي موضع أردته بما لا يقدر عليه غيري وزاد في التقرير بقوله: {أفلا تبصرون} أي الذي ذكرته لكم فتعلموا ببصائر قلوبكم أنه لا ينبغي لأحد أن ينازعني، وهذا لعمري قول من ضعفت قواه وانحلت عراه...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

لكن الجماهير قد تؤخذ بالخوارق المعجزة، وقد يجد الحق سبيلاً إلى قلوبها المخدوعة. وهنا يبرز فرعون في جاهه وسلطانه، وفي زخرفه وزينته، يخلب عقول الجماهير الساذجة بمنطق سطحي، ولكنه يروج بين الجماهير المستعبدة في عهود الطغيان، المخدوعة بالأبهة والبريق: (ونادى فرعون في قومه: قال: يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي؟ أفلا تبصرون؟) إن ملك مصر وهذه الأنهار التي تجري من تحت فرعون، أمر قريب مشهود للجماهير، يبهرها وتستخفها الإشارة إليه. فأما ملك السماوات والأرض وما بينهما -ومصر لا تساوي هباءة فيه- فهو أمر يحتاج إلى قلوب مؤمنة تحسه، وتعقد الموازنة بينه وبين ملك مصر الصغير الزهيد! والجماهير المستعبدة المستغفلة يغريها البريق الخادع القريب من عيونها؛ ولا تسمو قلوبها ولا عقولها إلى تدبر ذلك الملك الكوني العريض البعيد!

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

هنا يشعر فرعون بالخطر، وتهتز مكانته أمام قومه، يشعر أن موسى يسحب البساط من تحت قدميه حيث تتجه إليه الأنظار خاصة بعد حادثة السحرة الذين آمنوا بربِّ هارون وموسى ولم ينتظروا إذناً من فرعون.

وبعد أنْ نزل بهم القحط، وأصابهم الجَدْب حتى يئسوا فتوجَّهوا إلى موسى وطلبوا منه كشْف ما هم فيه، لذلك نرى فرعون يحاول أنْ يعيد مكانته ويُحسِّن صورته أمام قومه.

{وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ} بماذا نادى مُناديه؟

{قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} يعني: انتبهوا إلى مكانتي ومُلْكي وقدرتي عليكم ولا تهتموا بأمر موسى، فأنا لا أزال مَلِك مصر، والأنهار تجري من تحتي. يعني: لا أزال وليَّ نعمتكم.

{أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} لكن نلاحظ في ندائه هذا أنه لم يقُلْ شيئاً عن ألوهيته. ولم يقُلْ: أنا ربكم الأعلى فقد تنازل عن هذه الشعارات التي لم يَعُدْ لها موضع بعد ما حدث مع موسى.

ثم تأمل صيغة النداء {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} بهذا الاستفهام التقريري، يعني: قُولوا لي ألم أزل ملكاً عليكم، ولم يأت مثلاً بأسلوب الخبر: أنا ملك مصر.

إذن: يتحدثُ فرعون الآن من موقف الضعف، نعم لأنه كان يقول

{فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعْلَىٰ} [النازعات: 24] والآن يقول: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف: 51]...

قوله: {وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ} فرعون لم يُنادِ هو، إنما أمر مَنْ ينادي في القوم بهذا النداء، فلما كان النداء بأمره نسب إليه... وقوله: {وَهَـٰذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ} كلمة {مِن تَحْتِيۤ} تدل على التمكُّن والسيطرة، وبالفعل كانت قصوره على النهر مباشرة وكأن النهر يمرُّ من تحتها. وَجَمَع الأنهار، مع أننا نعرف أن في مصر نهراً واحداً هو نهر النيل، وأنه يتفرع إلى فرعين دمياط ورشيد، فلماذا قال {وَهَـٰذِهِ الأَنْهَارُ}.

قالوا: كانت على أيام الفراعنة خمسة أنهار، أي: أنهم فرَّعوا من النهر خمسة فروع ليزيدوا من الشواطئ، وبهذا كان لديهم عشرة شواطئ تُبنى عليها قصورهم.