اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَنَادَىٰ فِرۡعَوۡنُ فِي قَوۡمِهِۦ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِيٓۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} (51)

قوله تعالى : { ونادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ } لما ذكر معاملة قوم فرعون مع موسى ذكر أيضاً معاملة فرعون معه . فقال { ونادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ } أي أظهر هذا القول . { قَالَ يا قوم أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار تَجْرِي مِن تحتي } أي أنهار النيل ومعظمها نهر الملك ، ونهر طُولون ، ونهر دِمياط ، ونهر تنيس . قيل : كانت تجري تحت قصره وحاصل الأمر أنه احتج بكثرة أمواله ، وقوة جاهه على فضيلة نفسه .

ثم قال : { أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } من تحت قصري . وقال قتادة : تجري من بين يدي في جناني وبساتيني ، وقال الحسن : بأمري أفلا تبصرون عظمتي وشدة ملكي{[49932]} . وقيل من ملك القِبْطَ يسمى فرعون ، ومن ملك اليهود يسمى قبْطون والمعروف مالخ ، ومن ملك الصابئة يسمى نُمرود ، ومن ملك البربر يسمى جالوت ، ومن ملك الهند يسمى بهمن ، وقيل يعفور ، ومن ملك فرغانة يسمى الإخشيد ، ومن ملك العرب من قبل العجم يسمى النعمان{[49933]} .

قوله : { وهذه الأنهار تَجْرِي } يجوز في «وهذه » وجهان :

أحدهما : أن تكون مُبْتَدَأَةً ، والواو للحال ، و«الأنهار » صفة لاسم الإشارة ، أو عطف بيان و«تَجْرِي » الخبر والجملة حال من ياء «لِي »{[49934]} .

والثاني : أن هذه معطوفة على «مُلْكِ مِصْرَ » و«تجري » على هذا حال أي أليس ملك مصر وهذه الأنهار جارية ؟ ! أي الشيئان{[49935]} .

قوله : «تبصرون » العامة على الخطاب لمن ناداهم ، وقرأ عيسى بكسر النون أي تُبًصِرُونِي{[49936]} وفي قراءة العامة المفعول محذوف أي تبصرون مُلْكِي وعَظَمَتِي .

وقرأ فَهْدُ بْنُ الصَّقْر{[49937]} : يُبْصِرُونَ{[49938]} بياء الغيبة ، إما على الالتفات من الخطاب إلى الغيبة وإما رداً على قوم موسى .


[49932]:القرطبي المرجع السابق.
[49933]:قاله البغوي في معالم التنزيل.
[49934]:قال بهذا الإعراب الزمخشري في الكشاف 3/492 ونقله عنه السمين في الدر المصون 4/791.
[49935]:السابقين والبحر المحيط 8/22.
[49936]:جائزة لغة وإن كانت شاذة غير متواترة انظر مختصر ابن خالويه 135.
[49937]:هو فهد بن صقر، روى القراءة عرضا عن يعقوب الحضرمي، وهو من جلة أصحابه وعن أيوب بن المتوكل وروى عنه ابن أخته إبراهيم بن خالد (انظر غاية النهاية 2/13).
[49938]:من القراءات الشاذة انظر البحر المحيط 8/22 وابن خالويه السابق.