البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَنَادَىٰ فِرۡعَوۡنُ فِي قَوۡمِهِۦ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِيٓۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} (51)

{ ونادى فرعون في قومه } : جعل القوم محلاً للنداء ، والظاهر أنه نادى عظماء القبط في محله الذي هو وهم يجتمعون فيه ، فرفع صوته فيما بينهم لتنتشر مقالته في جميع القبط .

ويجوز أن يكون أمر بالنداء ، فأسند إليه .

وسبب ندائه ذلك ، أنه لما رأى إجابة الله دعوة موسى ورفع العذاب ، خاف ميل القوم إليه ، فنادى : { قال يا قوم أليس لي ملك مصر } ، أراد أن يبين فضله على موسى بملك مصر ، وهي من إسكندرية إلى أسوان .

{ وهذه الأنهار } : أي الخلجان التي تجري من النيل ، وأعظمها : نهر الملك ، ونهر طولون ، ونهر دمياط ، ونهر تنيس .

والواو في { وهذه الأنهار } واو الحال ، وتجري خبر .

وهذه والأنهار صفة ، أو عطف بيان .

وجوز أن تكون الواو عاطفة على ملك مصر ، وتجري حال .

من تحتي : أي من تحت قهري وملكي .

وقال قتادة : كانت جنانها وأنهارها تجري من تحت قصره .

وقيل : كان له سرير عظيم ، وقطع من نيل مصر قطعة قسمها أنهاراً تجري من تحت ذلك السرير .

وأبعد الضحاك في تفسيره الأنهار بالقواد والرؤساء الجبابرة ، يسيرون تحت لوائه .

ومن فسرها بالأموال ، يعرفها من تحت يده .

ومن فسرها بالخيل فقيل : كما سمى الفرس بحراً يسمي نهراً .

وهذه الأقوال الثلاثة تقرب من تفاسير الباطنية .

{ أفلا تبصرون } عظمتي وقدرتي وعجز موسى ؟ وقرأ مهدي بن الصفير : يبصرون ، بياء الغيبة ؛ ذكره في الكامل للهذلي ، والسباعي ، عن يعقوب ، ذكره ابن خالويه .

قال الزمخشري : وليت شعري كيف ارتقت إلى دعوى الربوبية همة من تعاظم بملك مصر ؟ وعجب الناس من مدى عظمته ، وأمر فنودي بها في أسواق مصر وأزقتها ، لئلا تخفى تلك الأبهة والجلالة على صغير ولا كبير حتى يتربع في صدور الدهماء مقدار عزته وملكوته .

وكسر نون { أفلا تبصرون } ، عيسى .

وعن الرشيد ، أنه لما قرأها قال : لأولينها أحسن عبيدي ، فولاها الخصيب ، وكان على وضوئه .

وعن عبد الله بن طاهر أنه وليها فخرج إليها ، فلما شارفها ووقع عليها قال : أهي القرية التي افتخر بها فرعون حتى قال : { أليس لي ملك مصر } ؟ والله لهي أقل عندي من أن أدخلها ، فثنى عنانه .