نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَنَادَىٰ فِرۡعَوۡنُ فِي قَوۡمِهِۦ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِيٓۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} (51)

{ ونادى فرعون } أي زيادة على نكثه { في قومه } أي الذين لهم غاية القيام معه ، وأمر كلاً منهم أن يشيع قوله إشاعة تعم البعيد كما تشمل القريب فتكون كأنها مناداة إعلاماً بأنه مستمر على الكفر لئلا يظن بعضهم أنه رجع . ولما كان كأنه قيل : لم نادى ؟ أجاب بقوله : { قال } أي خوفاً من إيمان القبط لما رأى من أن ما شاهدوا من باهر الآيات مثله يزلزل ويأخذ بالقلوب : { يا قوم } مستعطفاً لهم بإعلامهم بأنهم لحمة واحدة ، ومستنهضاً بوصفهم بأنهم ذوو قوة على ما يحاولونه ، مقرراً لهم على عذره في نكثه بقوله : { أليس لي } أي وحدي { ملك مصر } أي كله ، فلا اعتراض على بني إسرائيل ولا غيرهم ، لينتج له ذلك على زعمه أن غلبته على بني إسرائيل ومقاهرته على إخراجهم من تحت يده بغى على من له الملك فتكون فساداً فلا بأس عليه إذا خدع من فعل به ذلك بما عاهده عليه عند مس الضر ، ولم يقرأ بالصرف ليكون نصاً على مراده من العلمية ، ولأن المصر يطلق على المدينة الواحدة ، والتنوين يأتي للتحقير وهو ضد مراده .

ولما كان قد حصل له مما رأى من الآيات وورد عليه من تلك الضربات بأنواع المثلات ما أدهشه بحيث صار في عداد من يشك أتباعه في ملكه ، دل عليه بما بناه من الحال : { وهذه } أي والحال أن هذه { الأنهار } وكأنه كان قد أكثر من تشقيق الخلجان إلى بساتينه وقصوره ، ونحو ذلك من أموره فقال : { تجري من تحتي } أي من أي موضع أردته بما لا يقدر عليه غيري ، وزاد في التقرير بقوله : { أفلا تبصرون } أي الذي ذكرته لكم فتعلموا ببصائر قلوبكم أنه لا ينبغي لأحد أن ينازعني ، وهذا لعمري قول من ضعفت قواه وانحلت عراه .