والضمير في { قالوا } : للقوم الذين من دون السدين ، و { يأجوج ومأجوج } : قبيلتان من بني آدم لكنهم ينقسمون أنواعاً كثيرة ، اختلف الناس في عددها ، فاختصرت ذكره لعدم الصحة ، وفي خلقهم تشويه : منهم المفرط الطول ، ومنهم مفرط القصر ، على قدر الشبر ، وأقل ، وأكثر ، ومنهم صنف : عظام الآذان ، الأذن الواحدة وبرة والأخرى زعراء ، ُيَصِّيف بالواحدة ويشتو في الأخرى وهي تعمه ، واختلفت القراءة فقرأ عاصم وحده «يأجوج ومأجوج » بالهمز وقرأ الباقون : «ياجوج وماجوج » بغير همزة فأما من همز ، فاختلف : فقالت فرقة : هو أعجمي علتاه في منع الصرف : العجمة والتأنيث ، وقالت فرقة : هو معرب من أجج وأج ، علتاه في منع الصرف التعريف والتأنيث ، وأما من لم يهمز فإما أن يراهما اسمين أعجميين ، وإما أن يسهل من الهمز ، وقرأ رؤبة بن العجاج : «آجوج ومأجوج » بهمزة بدل الياء ، واختلف الناس في «إفسادهم » الذي وصفوهم به ، فقال سعيد بن عبد العزيز : «إفسادهم » : أكل بني آدم ، وقالت فرقة «إفسادهم » إنما عندهم توقعاً ، أي سيفسدون ، فطلبوا وجه التحرز منهم ، وقالت فرقة : «إفسادهم » هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر ، وهذا أظهر الأقوال ، لأن الطائفة الشاكية إنما تشكت من ضرر قد نالها ، وقولهم { فهل نجعل لك خرجاً } استفهام على جهة حسن الأدب ، و «الخرج » : المجبي ، وهو الخراج ، وقال فوم : الخرج : المال يخرج مرة ، والخراج المجبي المتكرر ، فعرضوا عليه أن يجمعوا له أموالاً يقيم بها أمر السد ، قال ابن عباس { خرجاً } : أجراً وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم «خرجاً » وقرأ حمزة والكسائي «خراجاً » وهي قراءة طلحة بن مصرف والأعمش والحسن بخلاف عنه وروي في أمر { يأجوج ومأجوج } أن أرزاقهم هي من التنين يمطرونها ، ونحو هذا مما لم يصح ، وروي أيضاً أن الذكر منهم لا يموت حتى يولد له ألف ، والأنثى لا تموت حتى تخرج من بطنها ألف ، فهم لذلك إذا بلغوا العدد ماتوا ، ويروى أنهم يتناكحون في الطرق كالبهائم ، وأخبارهم تضيق بها الصحف ، فاختصرتها لضعف صحتها .
جملة { قَالُوا } استئناف للمحاورة . وقد بينا في غير موضع أن جمل حكاية القول في المحاورات لا تقترن بحرف العطف كما في قوله تعالى : { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } [ البقرة : 30 ] الآية . فعلى أول الاحتمالين في معنى { لا يَكَادونَ يَفْقَهونَ قَولاً } أنهم لا يدركون ما يطلب منهم من طاعة ونظام ومع ذلك يعربون عما في نفوسهم من الأغراض مثل إعراب الأطفال ، وعلى الاحتمال الثاني أنهم أمكنهم أن يفهم مرادهم بعد لأي .
وافتتاحهم الكلام بالنداء أنهم نادوه نداء المستغيثين المضطرين ، ونداؤهم إياه بلقب ذي القرنين يدل على أنه مشهور بمعنى ذلك اللقب بين الأمم المتاخمة لبلاده .
وياجوج وماجوج أمة كثيرة العدد فيحتمل أن الواو الواقعة بين الاسمين حرف عطف فتكون أمة ذات شعبين ، وهم المغول وبعض أصناف التتار . وهذا هو المناسب لأصل رسم الكلمة ولا سيما على القول بأنهما اسمان عربيان كما سيأتي فقد كان الصنفان متجاورين .
ووقع لعلماء التاريخ وعلماء الأنساب في اختلاف إطلاق اسمي المغول والتتار كل على ما يطلق عليه الآخر لعسر التفرقة بين المتقاربين منهما ، وقد قال بعض العلماء : إن المغول هم ماجوج بالميم اسم جد لهم يقال له أيضاً ( سكيثوس ) وربما يقال له ( جيته ) . وكان الاسم العام الذي يجمع القبيلتين ماجوج ثم انقسمت الأمة فسميت فروعها بأسماء خاصة ، فمنها ماجوج وياجوج وتتر ثم التركمان ثم الترك . ويحتمل أن الواو المذكورة ليست عاطفة ولكنها جاءت في صورة العاطفة فيكون اللفظ كلمة واحدة مركبة تركيباً مزجياً ، فيتكون اسماً لأمة وهم المغول .
والذي يجب اعتماده أن ياجوج وماجوج هم المغول والتتر . وقد ذكر أبو الفداء أن ماجوج هم المغول فيكون ياجوج هم التتر . وقد كثرت التتر على المغول فاندمج المغول في التتر وغلب اسم التتر على القبيلتين . وأوضح شاهد على ذلك ما ورد في حديث أمّ حبيبة عن زينب بنت جحش أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً يقول : « لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شرّ قد اقترب ، فُتح اليوم من رَدْم ياجوج وماجوج مثل هذه » . وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها . وقد تقدم آنفاً .
ولا يعرف بالضبط وقت انطلاقهم من بلادهم ولا سبب ذلك . ويقدّر أن انطلاقهم كان أواخر القرن السادس الهجري . وتشتت ملك العرب بأيدي المغول والتتر من خروج جنكيز خان المغولي واستيلائه على بخارى سنة ست عشرة وستمائة من الهجرة ووصلوا ديار بكر سنة 628ه ثم ما كان من تخريب هولاكو بغداد عاصمة ملك العرب سنة 660هـ .
ونظير إطلاق اسمين على حي مؤتلف من قبيلتين إطلاق طسم وجديس على أمّة من العرب البائدة ، وإطلاق السكاسك والسكرن في القبائل اليمنية ، وإطلاق هلال وزغبة على أعراب إفريقية الواردين من صعيد مصر ، وإطلاق أولاد وزاز وأولاد يحيى على حيّ بتونس بالجنوب الغربي ، ومَرَادة وفِرْجان على حي من وطن نابل بتونس .
وقرأ الجمهور { ياجوج وماجوج } كلتيهما بألف بعد التحتية بدون همز ، وقرأه عاصم بالهمز .
واختلف المفسرون في أنه اسم عربي أو معرّب ، وغالب ظني أنه اسم وضعه القرآن حاكى به معناه في لغة تلك الأمة المناسب لحال مجتمعهم فاشتق لهما من مادة الأج ، وهو الخلط ، إذ قد علمت أن تلك الأمة كانت أخلاطاً من أصناف .
والاستفهام في قوله { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ } ، مستعمل في العَرض .
والخرْج : المال الذي يدفع للملك . وهو بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء في قراءة الجمهور . ويقال فيه الخراج بألف بعد الراء ، وكذلك قرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف .
وقرأ الجمهور { سُدًّا } بضم السين وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف بفتح السين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.