اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالُواْ يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِنَّ يَأۡجُوجَ وَمَأۡجُوجَ مُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَهَلۡ نَجۡعَلُ لَكَ خَرۡجًا عَلَىٰٓ أَن تَجۡعَلَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَهُمۡ سَدّٗا} (94)

قوله : { يَأْجُوجَ وَمَأْجُوج } : قرأ عاصم{[21316]} بالهمزة الساكنة ، والباقون بألف صريحة ، واختلف في ذلك ؛ فقيل : هما أعجميَّان ، لا اشتقاق لهما ، ومنعا من الصرف ؛ للعلميَّة والعجمة ، ويحتمل أن تكون الهمزة أصلاً ، والألف بدلاً منها ، أو بالعكس ؛ لأنَّ العرب تتلاعب بالأسماء الأعجمية ، وقيل : بل هما عربيَّان ، واختلف في اشتقاقهما .

فقال الكسائي : يأجوجُ : مأخوذٌ من تأجُّج النار ، ولهبها أو شدَّة توقُّدها ؛ فلسرعتهم في الحركة سمُّوا بذلك ، ومأجوج من موج البحر .

وقيل من الأجِّ ، وهو الاختلاط أو شدَّة الحرِّ .

وقال القتيبيُّ : من الأجِّ ، وهو سرعة العدو ، ومنه قوله : [ الطويل ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . *** تَؤجُّ كمَا أجَّ الظَّلِيم المُنفَّرُ{[21317]}

وقيل : من الأجاجِ ، وهو الماءُ المالح الزُّعاقُ .

وقال الخليلُ : الأجُّ : حبٌّ ؛ كالعدس ، والمجُّ : مجُّ الرِّيق ، فيحتمل أن يكونا مأخوذين منهما ، ووزنهما يفعولُ ، ومفعول ، وهذا ظاهر على قراءة عاصم ، وأمَّا قراءة الباقين ، فيحتمل أن تكون الألف بدلاً من الهمزة الساكنة ، إلا أنَّ فيه أنَّ من هؤلاء من ليس أصله قلب الهمزة الساكنة ، وهم الأكثر ، ولا ضير في ذلك ، ويحتمل أن تكون ألفهما زائدتين ، ووزنهما " فَاعُول " من يجَّ ، ومجَّ .

ويحتمل أن يكون ماجوج من " مَاجَ ، يَمُوجُ " أي : اضطرب ، ومنه الموجُ ، فوزنه مفعول ، وأصله : مَوجُوج ، قاله أبو حاتم ، وفيه نظر ؛ من حيث ادِّعاءُ قلب حرف العلة ، وهو ساكنٌ ، وشذوذه كشذوذ " طائي " في النَّسب إلى طيِّئ .

وعلى القول بكونهما عربيَّين مشتقَّين ، فمنع صرفهما ؛ للعلميَّة والتأنيث ؛ بمعنى القبيلة ؛ كما تقدَّم في سورة هود ، ومثل هذا الخلاف والتعليل جارٍ في سورة الأنبياء [ الآية : 93 ] - عليهم السلام - والهمزة في يأجوج ومأجوج لغة بني أسدٍ ، وقرأ رؤبة وأبوه{[21318]} العجاج " آجُوج " .

فصل في أصل يأجوج ومأجوج

اختلفوا في أنَّهم من أيِّ الأقوام ، فقال الضحاك{[21319]} : هم جيلٌ من التُّرك .

وقال السديُّ : التُّرك{[21320]} : سريَّة من يأجُوج ومأجوج ، خرجت ، فضرب ذو القرنين السدَّ ، فبقيت خارجة ، فجميع الترك منهم .

وعن قتادة{[21321]} : أنَّهم اثنان وعشرون قبيلة ، بنى ذو القرنين السدَّ على إحدى وعشرين قبيلة ، وبقيت قبيلة واحدة ، وهم التُّركُ ، سمُّوا بذلك ؛ لأنَّهم [ تركوا ]{[21322]} خارجين .

فصل في أجناس البشر

قال أهل التَّاريخ : أولاد نوحٍ ثلاثة : سام ، وحام ، ويافث . فسام أبو العرب ، والعجم ، والرُّوم .

وحام : أبو الحبشة ، والزَّنج ، والنُّوبة .

ويافث : أبو التُّرك ، والخزر ، والصقالبة ، ويأجوج ومأجوج .

واختلفوا في صفاتهم{[21323]} :

فمن النَّاس من وصفهم بقصر القامة ، وصغر الجثَّة بكون طول أحدهم شبراً ، ومنهم من يصفهم بطُول القامة ، وكبر الجثَّة ، فقيل : طول أحدهم مائةُ وعشرون ذراعاً ، ومنهم من طوله وعرضه كذلك ، وأثبتوا لهم مخالب في الأظفار وأضراساً كأضراسِ السِّباع ، ومنهم من يفترش إحدى أذنيه ، ويلتحفُ بالأخرى .

فصل في إفسادهم

واختلفوا في كيفية إفسادهم{[21324]} :

فقيل : كانوا يقتلون الناس .

وقيل : كانوا يأكلون لحوم النَّاس ، وقيل : كانوا يخرجون أيَّام الربيع ولا يتركون لهم شيئاً أخضر .

وبالجملة : فلفظ الفساد يحتمل هذه الأقسام .

ثمَّ إنَّه تعالى حكى عن أهل ما بين السَّديْن أنَّهم قالوا لذي القرنين : { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } الآية .

قوله : " خَرْجاً " قرأ ابن عامر{[21325]} " خَرْجاً " هنا وفي المؤمنين [ الآية : 72 ] بسكون الراء ، والأخوان " خَرَاجاً " " فَخَراج " في السورتين بالألف ، والباقون كقراءة ابن عامر في هذه السورة ، والأول في المؤمنين ، وفي الثاني ، وهو " فَخرَاج " كقراءة الأخوين ، فقيل : هما بمعنى واحد كالقول والقوال ، والنّوْل والنَّوال ، وقيل : " الخَراجُ " بالألف ما ضرب على الأرض من الإتاوةِ كلَّ عامٍ ، وبغير الألف بمعنى الجعل ، أي : نُعطيكَ من أموالنا مرَّة واحدة ما تستعينُ به على ذلك ، وقال أبو عمر : الخرج : ما تبرَّعت به ، والخراج ما لزمك أداؤهُ .

قال مكيٌّ{[21326]} - رحمه الله- : واختيار تركُ الألف ؛ لأنَّهم إنما عرضوا عليه : أن يعطوه عطيَّة واحدة على بنائه ، لا أن يضرب ذلك عليهم كلَّ عامٍ ، وقيل : الخرجُ : ما كان على الرءوس ، والخراج : ما كان على الأرض ، قاله قطرب يقال : أدِّ خرج رأسك ، وخراج أرضك ، قاله ابن الأعرابيِّ ، وقيل : الخرجُ أخصُّ ، والخَراجُ أعمُّ ، قاله ثعلبٌ ، وقيل : الخرجُ مصدر ، والخراجُ : اسم لما يعطى ، ثم قد يطلق على المفعول المصدر ؛ كالخلقِ ؛ بمعنى المخلوق .

ثم قال : { على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } أي : حاجزاً ، فلا يصلون إلينا .


[21316]:ينظر: السبعة 399، والنشر 1/390، 394، والتيسير 145، والحجة 433، وإعراب القراءات 1/418، والحجة للقراء السبعة 5/172، والإتحاف 2/225.
[21317]:تقدم.
[21318]:ينظر: البحر 6/154، والدر المصون 4/482.
[21319]:ينظر: معالم التنزيل 3/180.
[21320]:ينظر: المصدر السابق.
[21321]:ينظر: المصدر السابق.
[21322]:سقط من ب.
[21323]:ينظر: معالم التنزيل 3/180 – 181، والفخر الرازي 21/145.
[21324]:ينظر: الفخر الرازي 21/145.
[21325]:ينظر: السبعة 400، والحجة 433، والنشر 2/315، والتيسير 146، والحجة للقراء السبعة 5/173، وإعراب القراءات 1/419، والإتحاف 2/225، 226.
[21326]:ينظر: المشكل 2/78.