فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالُواْ يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِنَّ يَأۡجُوجَ وَمَأۡجُوجَ مُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَهَلۡ نَجۡعَلُ لَكَ خَرۡجًا عَلَىٰٓ أَن تَجۡعَلَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَهُمۡ سَدّٗا} (94)

{ قَالُوا } أي : هؤلاء القوم الذين لا يفهمون قولاً ، قيل : إن فهم ذي القرنين لكلامهم من جملة الأسباب التي أعطاه الله ، وقيل : إنهم قالوا ذلك لترجمانهم ، فقال لذي القرنين بما قالوا له { يا ذا القرنين إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرض } يأجوج ومأجوج : اسمان عجميان بدليل منع صرفهما ، وبه قال الأكثر . وقيل : مشتقان من أجّ الظليم في مشيه : إذا هرول ، وتأججت النار : إذا تلهبت ، قرأهما الجمهور بغير همز ، وقرأ عاصم بالهمز . قال ابن الأنباري : وجه همزهما وإن لم يعرف له أصل أن العرب قد همزت حروفاً لا يعرف للهمز فيها أصل كقولهم : كبأث ورثأت واستشأث الريح . قال أبو علي : يجوز أن يكونا عربيين ، فمن همز فهو على وزن يفعول مثل : يربوع ، ومن لم يهمز أمكن أن يكون خفف الهمزة فقبلها ألفاً مثل : راس . وأما مأجوج ، فهو مفعول من أجّ ، والكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق . قال : وترك الصرف فيهما على تقدير كونهما عربيين للتأنيث والتعريف كأنه اسم للقبيلة .

واختلف في نسبهم ؛ فقيل : هم من ولد يافث بن نوح ، وقيل : يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل والديلم . وقال كعب الأحبار : احتلم آدم فاختلط ماؤه بالتراب فخلقوا من ذلك الماء . قال القرطبي : وهذا فيه نظر ، لأن الأنبياء لا يحتلمون ، وإنما هم من ولد يافث ، كذلك قال مقاتل وغيره .

وقد وقع الخلاف في صفتهم ؛ فمن الناس من يصفهم بصغر الجثث وقصر القامة ، ومنهم من يصفهم بكبر الجثث وطول القامة ، ومنهم من يقول : لهم مخالب كمخالب السباع ، وإن منهم صنفاً يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى ، ولأهل العلم من السلف ومن بعدهم أخبار مختلفة في صفاتهم وأفعالهم .

واختلف في إفسادهم في الأرض ؛ فقيل : هو أكل بني آدم ؛ وقيل : هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد ؛ وقيل : كانوا يخرجون إلى أرض هؤلاء القوم الذين شكوهم إلى ذي القرنين في أيام الربيع فلا يدعون فيها شيئاً أخضر إلا أكلوه { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرجاً } هذا الاستفهام من باب حسن الأدب مع ذي القرنين . وقرئ ( خراجاً ) . قال الأزهري : الخراج يقع على الضريبة ويقع على مال الفيء ، ويقع على الجزية وعلى الغلة . والخراج أيضاً اسم لما يخرج من الفرائض في الأموال ، والخرج : المصدر وقال قطرب : الخرج : الجزية والخراج في الأرض ، وقيل : الخرج : ما يخرجه كل أحد من ماله ، والخراج : ما يجبيه السلطان ؛ وقيل : هما بمعنى واحد { على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّا } أي : ردماً حاجزاً بيننا وبينهم . وقرئ { سداً } بفتح السين . قال الخليل وسيبويه : الضم هو الاسم ، والفتح المصدر . وقال الكسائي : الفتح والضم لغتان بمعنى واحد ، وقد سبق قريباً ما حكيناه عن أبي عمرو بن العلاء ، وأبي عبيدة ، وابن الأنباري من الفرق بينهما . وقال ابن أبي إسحاق : ما رأته عيناك فهو سدّ بالضم ، وما لا ترى فهو سدّ بالفتح ، وقد قدّمنا بيان من قرأ بالفتح وبالضم في السدّين .

/خ98