إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالُواْ يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِنَّ يَأۡجُوجَ وَمَأۡجُوجَ مُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَهَلۡ نَجۡعَلُ لَكَ خَرۡجًا عَلَىٰٓ أَن تَجۡعَلَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَهُمۡ سَدّٗا} (94)

{ قَالُواْ } أي بواسطة مترجمِهم أو بالذات على أن يكون فهمُ ذي القرنين كلامَهم وإفهامُ كلامِه إياهم من جملة ما آتاه الله تعالى من الأسباب { يا ذا القرنين إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ } قد ذكرنا أنهما من أولاد يافثَ بنِ نوحٍ عليه السلام ، وقيل : يأجوجُ من الترك ومأجوجُ من الجيل ، واختلف في صفاتهم فقيل : في غاية صِغرِ الجُثة وقِصَر القامة لا يزيد قدُّهم على شبر واحد ، وقيل : في نهاية عِظَم الجسم وطولِ القامة تبلغ قدُودهم نحوَ مِائةٍ وعشرين ذراعاً وفيهم من عَرضُه كذلك ، وقيل : لهم مخالبُ وأضراسٌ كالسباع وهما اسمانِ أعجميان بدليل منْع الصرفِ ، وقيل : عربيان من أجّ الظليمُ إذا أسرع وأصلهما الهمزة كما قرأ عاصم ، وقد قرئ بغير همزةٍ ومُنع صرفُهما للتعريف والتأنيث { مُفْسِدُونَ في الأرض } أي في أرضنا بالقتل والتخريب وإتلافِ الزروع ، وقيل : كانوا يخرُجون أيام الربيع فلا يتركون أخضرَ إلا أكلوه ولا يابساً إلا احتملوه ، وقيل : كانوا يأكلون الناسَ أيضاً { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } أي جُعْلاً من أموالنا ، والفاء لتفريع العَرض على إفسادهم في الأرض ، وقرئ خَراجا وكلاهما واحد كالنَّول والنوال ، وقيل : الخراجُ ما على الأرض والذمة والخَرْجُ المصدر ، وقيل : الخرج ما كان على كل رأس والخراجُ ما كان على البلد ، وقيل : الخرجُ ما تبرعْتَ به والخراج ما لزِمك أداؤُه { على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّا } وقرئ بالضم .