روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{قَالُواْ يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِنَّ يَأۡجُوجَ وَمَأۡجُوجَ مُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَهَلۡ نَجۡعَلُ لَكَ خَرۡجًا عَلَىٰٓ أَن تَجۡعَلَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَهُمۡ سَدّٗا} (94)

{ قَالُواْ } أي بواسطة مترجمهم فإسناد القول إليهم مجاز ، ولعل هذا المترجم كان من قوم بقرب بلادهم ، ويؤيد ذلك ما وقع في مصحف ابن مسعود قال : الذين من دونهم أو بالذات على أن يكون فهم ذي القرنين كلامهم وإفهامه إياهم من جملة من أتاه الله تعالى من الأسباب ، وقال بعضهم : لا يبعد أن يقال القائلون قوم غير الذين لا يفهمون قولاً ولم يقولوا ذلك على طريق الترجمة لهم وأيد بما في مصحف ابن مسعود . وأياً ما كان فلا منافاة بين { لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } [ الكهف : 93 ] .

وقالوا : { قَالُواْ يا ذا القرنين إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ } قبيلتان من ولد يافث بن نوح عليه السلام وبه جزم وهب بن منبه وغيره واعتمده كثير من المتأخرين . وقال الكسائي في العرائس : إن يافث سار إلى المشرق فولد له هناك خمسة أولاد جومر . وبنرش . وأشار . واسقويل ومياشح فمن جومر جميع الصقالبة والروم وأجناسهم ومن مياشح جميع أصناف العجم ومن أشار يأجوج ومأجوج وأجناسهم ومن اسقويل جميع الترك ومن بنرش الفقجق واليونان . وقيل : كلاهما من الترك وروى ذلك عن الضحاك ، وفي كلام بعضهم أن الترك منهم لما أخرجه ابن جرير . وابن مردويه من طريق السدي من أثر قوي الترك سرية من سرايا يأجوج ومأجوج خرجت فجاء ذو القرنين فبنى السد فبقوا خارجين عنه ، وفي رواية عبد الرزاق عن قتادة أن يأجوج ومأجوج ثنتان وعشرون قبيلة بني ذو القرنين السد على إحدى وعشرين وكانت واحدة منهم خارجة للغزو فبقيت خارجة وسميت الترك لذلك » وقيل : يأجوج من الترك ومأجوج من الديلم ، وقيل من الجيل ، وعن كعب الأحبار أن يأجوج ومأجوج من ولد آدم عليه السلام من غير حواء وذلك أنه عليه السلام نام فاحتلم فامتزجت نطفته في التراب فخلق منها يأجوج ومأجوج ، ونقل النووي في تفاواه القول بأنهم أولاد آدم عليه السلام من غير حواء عن جماهير العلماء .

وتعقب دعوى الاحتلام بأن الأنبياء عليهم السلام لا يحتلمون ، وأجيب بأن المنفي الاحتلام بمن لا تحل لهم فيجوز أن يحتلموا بنسائهم فلعل احتلام آدم عليه السلام من القسم الجائز ، ويحتمل أيضاً أن يكون منه عليه السلام إنزال من غير أن يرى نفسه أنه يجامع كما يقع كثيراً لأبنائه ، واعترض أيضاً بأنه يلزم على هذا أنهم كانوا قبل الطوفان ولم يهلكوا به ، وأجيب بأن عموم الطوفان غير مجمع عليه فلعل القائل بذلك ممن لا يقول بعمومه وأنا أرى هذا القول حديث خرافة ، وقال الحافظ ابن حجر : لم يرد ذلك عن أحد من السلف إلا عن كعب الأحبار ، ويرده الحديث المرفوع أنهم من ذرية نوح عليه السلام ونوح من ذرية حواء قطعاً .

وكأنه عنى بالحديث غير ما روى عن أبي هريرة مرفوعاً ولد لنوح . سام وحام ويافث فولد لسام العرب وفارس والروم وولد لحام القبط والبربر والسودان وولد ليافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة فإنه صرح بأنه ضعيف ، وفي التوراة في السفر الأول في الفصل العاشر والتصريح بأن يأجوج من أبناء يافث . وزعم بعض اليهود أن مأجوج اسم للأرض التي كان يسكنها يأجوج وليس اسماً لقبيلة وهو باطل بالنص ، والظاهر أنهما اسمان أعجميان فمنع صرفهما للعلمية والعجمة ؛ وقيل عربيان من أج الظليم إذا أسرع وأصلهما لهمزة كما قرأ عاصم . والأعمش . ويعقوب في رواية وهي لغة بني أسد ووزنهما مفعول ، وبناء مفعول من ذلك مع أنه لازم لتعديه بحرف الجر .

وقيل : إن كان ما ذكر منقولاً فللتعدي وإن كان مرتجلاً فظاهر ، وقال الأخفش : إن جعلنا ألفهما أصلية فيأجوج يفعول ومأجوج مفعول كأنه من أجيج النار ، ومن لم يهمزهما جعلها زائدة فيأجوج من يججت ومأجوج من مججت ، وقال قطرب : في غير الهمز مأجوج فاعول من المج ويأجوج فاعول من اليج ، وقال أبو الحسن علي بن عبد الصمد السخاوي ؛ الظاهر أنه عربي وأصله الهمز وتركه على التخفيف . وهو إما من الأجة وهو الاختلاف كما قال تعالى : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ في بَعْضٍ } [ الكهف : 99 ] أو من الأج وهو سرعة العدو قال تعالى : { وَهُمْ مّن كُلّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } [ الأنبياء : 96 ] أو من الأجه وهي شدة الحر أو من أج الماء ياج أجوجاً إذا كان ملحقاً مراً انتهى . وعلة منع الصرف على القول بعربيتهما العلمية والتأنيث باعتبار القبيلة .

وقرأ العجاج . ورؤية ابنه { آجوج } بهمزة بدل الياء . وربما يقال جوج بلا همزة ولا ياء في غير القرآن وجاء بهذا اللفظ في كتاب حزقيال عليه السلام { وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ في الأرض } أي في أرضنا بالقتل والتخريب وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر ، وقيل بأخذ الأقوات وأكلها . روى أنهم كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون شيئاً أؤخضر إلا أكلوه ولا باساً إلا احتلوه ، وأخرج ابن المنذر . وابن أبي حاتم عن بيب الأوصافي أنه قال : كان فسادهم أنهم يأكلون الناس ، واستدل بإسناد مفسدون إلى يأجوج ومأجوج على أن أقل الجمع إثنان وليس بشيء أصلاً { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } أي جعلا من أموالن . والفاء لتفريع العرض على إفسادهم في الأرض . وقرأ الحسن . والأعمش . وطلحة . وخلف . وابن سعدان . وابن عيسى الأصبهاني وابن جبير الأنطاكي . وحمزة . والكسائي ( خراجاً ) بألف بعد الراء وكلاهما بمعنى واحد كالنول والنوال . وقيل : الخرج المصدر أطلق على الخراج والخراج الاسم لما يخرج . وقال ابن الاعرابي : الخرج على الرؤس يقال : أد خراج أرضك وقال ثعلب : الخرج اخص من الخراج . وقيل الخرج المال يخرج مرة والخراج الخرج المتكرر وقيل الخرج ما تبرعت به والخراج ما لزمك إداؤه { على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّا } حاجزاً يمنعهم من الوصول إلينا . وقرأ نافع . وابن عامر . وأبو بكر سداً بضم السين .