{ قالوا } أي هؤلاء القوم الذين لا يفهمون قولا { يا ذا القرنين } وهو الإسكندر الأكبر ، قيل إنه فهمه لكلامهم من جملة الأسباب التي أعطاه الله ، وقيل إنهم قالوا ذلك لترجمانهم ؛ فقال لذي القرنين بما قالوا له ، وذلك لأنهم من أولاد يافث بن نوح وذو القرنين من أولاد سام فلا يفهم لغتهم .
{ إن يأجوج ومأجوج } اسمان عجميان لا اشتقاق لهم بدليل منع صرفهما للعلمية والعجمة ، وبه قال الأكثر ، وقيل عربيان مشتقان من أج الظليم في مشبهه إذا هرول ، وتأججت النار إذا تلهبت ، وقرأهما الجمهور بغير همز ، وقرأ عاصم بالهمز .
قال ابن الأنباري : وجه همزهما وإن لم يعرف لهما أصل أن العرب قد همزت حروفا لا يعرف الهمز فيها أصل ، كقولهم كبأث ورثأث واستشأت الريح ، ويحتمل أن تكون الهمزة أصلا والألف بدلا عنها أو بالعكس ، لأن العرب تتلاعب بالأسماء العجمية ، قال أبو علي : يجوز أن يكونا عربيين ، فمن همز فهو على وزن يفعول ، مثل يربوع ، ومن لم يهمز أمكن أن يكون خفف الهمزة فقلبها ألفا مثل رأس .
وأما مأجوج فهو مفعول من أج الكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق ، قال وترك الصرف فيهما على تقدير كونهما عربيين للتأنيث والتعريف كأنه اسم للقبيلة . وقيل : اشتقاقهما من الأوجة وهي الاختلاط أو شدة الحر ، وقيل من الأوج وهو سرعة العدو ، واختلف في نسبهم ، فقيل هم من ولد يافث بن نوح والترك منهم ، وقيل يأجوج ومأجوج من الترك ومأجوج من الجيل والديلم .
وقال كعب الأحبار : احتلم آدم فاختلط ماؤه بالتراب فخلقوا من ذلك الماء قال القرطبي : وهذا فيه نظر لأن الأنبياء لا يحتلمون ، وإنما هم من ولد يافث ، كذلك قال مقاتل وغيره . وقد وقع الخلاف في صفتهم ، فمن الناس من يصفهم بصغر الجثث وقصر القامة ، ومنهم من يصفهم بكبر الجثث وطول القامة ، ومنهم من يكون لهم مخالب كمخالب السباع ، وإن منه صنفا يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى ، ولأهل العلم من السلف ومن بعدهم أخبار مختلفة في صفاتهم وأفعالهم .
قال ابن عباس : يأجوج ومأجوج شبر وشبران وأطولهم ثلاثة أشبار وهم من ولد آدم وفيه بعد ، وعن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم ، ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم ، ولا يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا ، وإن من ورائهم ثلاث أمم تاويل وتاريس ومنسك ، أخرجه الطبراني وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي وغيرهم قيل هم عشرة أجزاء وولد آدم كلهم جزء ومسافة الأرض بتمامها خمسمائة عام ثلاثمائة بحار ومائة وتسعون مسكن لهم بقي عشرة سبعة للحبشة وثلاثة لجملة الخلق غيرهم وهم كفار دعاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإيمان ليلة الإسراء فلم يجيبوا والله أعلم .
{ مفسدون في الأرض } بالنهب والبغي عند خروجهم ، وقيل سيفسدون بعد خروجهم على إلينا ، واختلف في إفسادهم في الأرض فقيل هو أكل بني آدم ، وقيل هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد ، وقيل كانوا يخرجون إلى أرض هؤلاء القوم الذين شكوهم إلى ذي القرنين في أيام الربيع فلا يدعون فيها شيئا أخضر إلا أكلوه ولا يابسا إلا حملوه وأدخلوه أرضهم .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض يحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستفتحونه غدا فيعودون إليه أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستفتحونه إن شاء الله تعالى ويستثنى فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فيستقون المياه ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون قهرنا من في الأرض وعلونا من في السماء قسرا وعلوا فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم فيهلكون ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالذي نفس محمد بيده إن الدواب الأرض لتسمن وتبطر وتشكر شكرا من لحومهم{[1138]} .
وقد ثبت في الصحيحين من حديث زينب بنت جحش قالت : استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر الوجه وهو يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلّق ، قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث{[1139]} ، وأخرجا نحوه من حديث أبي هريرة مرفوعا وقد ذكرنا تفصيل حالهم في حجج الكرامة فراجعه { فهل نجعل لك خرجا } هذا الاستفهام من باب حسن الأدب مع ذي القرنين وقرئ خراجا .
قال الأزهري : الخراج يقع على الضريبة ويقع على مال الفيء ويقع على الجزية وعلى الغلة ، والخراج أيضا اسم لما يخرج من الفوائض في الأموال والخرج المصدر ، وقال قطرب : الخرج الجزية والخراج في الأرض وقيل : الخرج ما يخرجه كل أحد من ماله والخراج ما يجبيه السلطان ، وقيل : هما بمعنى واحد قال ابن عباس خرجا أي أجرا عظيما وجعلا من الأموال .
{ على أن تجعل بيننا وبينهم سدا } أي ردما حاجزا بيننا وبينهم فلا يصلون إلينا ، قال الخليل وسيبويه : الضم{[1140]} هو الاسم والفتح المصدر ، وقال الكسائي : الضم والفتح لغتان بمعنى واحد وقد سبق قريبا ما حكيناه عن أبي عمرو بن العلاء وأبي عبيدة وابن الأنباري من الفرق بينهما .
وقال ابن أبي إسحاق : ما رأته عيناك فهو سد بالضم وما لا ترى فهو سد بالفتح وقد قدمنا بيان من قرأ بالفتح وبالضم في السدين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.