الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قَالُواْ يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِنَّ يَأۡجُوجَ وَمَأۡجُوجَ مُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَهَلۡ نَجۡعَلُ لَكَ خَرۡجًا عَلَىٰٓ أَن تَجۡعَلَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَهُمۡ سَدّٗا} (94)

{ قَالُواْ يذَا الْقَرْنَيْنِ } قيل : كلّمهُ عنهم قوم آخرون مترجمة ، وبيان ذلك في قراءة ابن مسعود : ( لا يكادون يفقهون قولاً ، قال الذين من دونهم يا ذا القرنين ) . وقيل : معناه : لا يكادون يفقهون خيراً من شر ، ولا ضلالاً من هدى ، { إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ } قرأهما عاصم والأعرج مهموزين ، الباقون بغير همزة . وهما لغتان . قالوا : وأصله من ( أجيج النّار ) ، وهو ضوؤها وشررها ، شُبّهوا به في كثرتهم وشدّتهم . قال وهب بن منبه ومقاتل بن سليمان : هم من ولد يافت ابن نوح ، وقال الضحّاك : هم جيل من الترك . وقال كعب : هم نادرة من ولد آدم من غير حوّاء ، وذلك أنّ آدم ( عليه السلام ) قال ذات يوم فاحتلم ، وامتزجت نطفته في التراب ، فلما انتبه أسف على ذلك الماء الذي خرج منه ، فخلق الله تعالى من ذلك الماء يأجوج ومأجوج ، وهم متصلون بنا من جهة الأب دون الأم .

وقوله تعالى : { مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ } ، قال سعيد بن عبد العزيز : فسادهم في الأرض أنهم كانوا يأكلون الناس . قال الكلبي : كانوا يخرجون إلى أرضهم أيّام الربيع فلا يدعون فيها شيئاً أخضر إلاّ أكلوه ، ولا شيئاً يابساً إلاّ احتملوه فأدخلوه أرضهم ، وقد لقوا منهم أذىً شديداً وقتلاً . وقيل : معناه : أنهم سيفسدون في الأرض عند خروجهم . [ أخبرنا عبد الله بن حامد الوّزان عن عبد الله بن المبارك عن إبراهيم بن عبد الله النسوي : محمد بن المصفي : يحيى بن سعيد عن محمد بن إسحاق عن ] الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال : سألت النبّي صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج ، فقال : " " يأجوج أُمّة ومأجوج أُمّة ، كل أُمّة أربعمائة ألف أُمّة ، لا يموت الرجل منهم حتّى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلّهم قد حمل السلاح " . قيل : يا رسول الله صفهم لنا . قال : " هم ثلاثة أصناف : صنف منهم أمثال الأرز " قيل : يا رسول الله ، وما الأُرز ؟ قال : " شجرة بالشام طول الشجر عشرون ومئة ذراع في السماء ، وصنف منهم عرضه وطوله سواء عشرون ومئة ذراع ، وصنف منهم يفرش أذنه ويلتحف بالأُخرى ، لا يمرّون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلاّ أكلوه ومن مات منهم أكلوه . مقدّمهم بالشام وساقتهم بخراسان ، ويشربون أنهار المشرق وبحيرة الطبرية " " .

قال وهب بن منبه : كان ذو القرنين رجلاً من الروم ، ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره ، وكان اسمه الإسكندر ، فلمّا بلغ وكان عبداً صالحاً ، قال الله تعالى : «يا ذا القرنين إني باعثك إلى أُمم الأرض ، وهي أُمم مختلفة ألسنتهم ، وهم جميع أهل الأرض ، ومنهم أُمتان بينهما عرض الأرض كلّه وأمم وسط الأرض منهم الجّن والإنس ويأجوج ومأجوج . وأما اللتان بينهما طول الأرض ، فأُمّة عند مغرب الشمس يقال لها ناسك ، وأمّا الأخرى فعند مطلعها يقال لها منسك ، وأمّا اللتان بينهما عرض الأرض فأُمّة في قطر الأرض الأيمن يُقال لها : هاويل ، والأخرى في قطر الأرض الأيسر يُقال لها : تاويل » .

فلمّا قال الله تعالى له ذلك ، قال ذو القرنين . «يا إلهي إنّك قد ندبتني لأمر عظيم لا يقدر قدره إلاّ أنت ، فأخبرني عن هذه الأمم التي بعثتني إليها بأي قوّة اُكابرهم ؟ وبأي جمع وبأي حيلة أُكاثرهم ؟ وبأي صبر أُواسيهم ؟ وبأي لسان أُناطقهم ؟ وكيف لي بأن أفقه لغاتهم ؟ وبأي سمع أسمع أقوالهم ؟ وبأي بصر أنقدهم ؟ وبأي حجة أُخاصمهم ؟ وبأي عقل أعقل عنهم ؟ وبأي حكمة أُدبر أمرهم ؟ وبأي قسط أعدل بينهم ؟ وبأي حلم أُصابرهم ؟ وبأي معرفة أفصل بينهم ؟ وبأي علم أُتقن أُمورهم ؟ وبأي يد أسطو عليهم ؟ وبأي رجل أطؤهم ؟ وبأي طاقة أُحصيهم ؟ وبأي جند أُقاتلهم ؟ وبأي رفق أتألّفهم ؟ وليس عندي يا إلهي شيء مما ذكرت يقوم بهم ولا يقوى عليهم ولا يطيقهم ، وأنت الرؤوف الرحيم لا تكلّف نفساً إلاّ وسعها ، ولا تحملها إلاّ طاقتها ، ولا تشقيها بل أنت ترحمها » . قال الله تعالى : «إنّي سأُطوقك ما حمّلتك : أشرح لك صدرك فتسمع كل شيء ، وأشرح لك فهمك فتفهم كلّ شيء ، وأبسط لك لسانك فتنطق بكلّ شيء ، وأفتح لك سمعك فتعي كلّ شيء ، وأمدّ لك بصرك فتنقد كلّ شيء ، وأُحصي لك فلا يفوتك شيء ، وأشدّ لك عضدك فلا يهولك شيء ، وأشدّ لك ركنك فلا يغلبك شيء ، وأشد لك قلبك فلا يفزعك شيء ، وأحفظ عليك فلا يعزب عنك شيء ، وأبسط لك من بين يديك فتسطو فوق كلّ شيء ، وأشدّ لك وطأتك فتهدّ كل شيء ، وأُلبسك الهيبة فلا يروعك شيء ، وأُسخّر لك النور والظّلمة فأجعلهما جنداً من جنودك يهديك النور من أمامك وتحوطك الظلمة من ورائك » .

فلمّا قيل له ذلك انطلق يؤمُّ الأُمم التي عند مغرب الشمس فلما بلغهم وجد جمعاً وعدداً لا يحصيهم إلاّ الله عزّ وجلّ ، وقوّة وبأساً لا يطيقهم إلاّ الله ، وألسنة مختلفة ، وأهواء متشتتة ، فلمّا رأى ذلك كابرهم بالظلمة ، فضرب حولهم ثلاثة عساكر منها فأحاط بهم في كلّ مكان حتّى جمعتهم في مكان واحد ثمّ أخذ عليهم بالنّور فدعاهم إلى الله عزّ وجلّ وعبادته فمنهم من آمن ومنهم من صدّ عنه ، فعمد إلى الذين تولّوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت في أفواههم وآذانهم وأنوفهم وأجوافهم ، ودخلت في بيوتهم ودورهم ، وغشيهم من فوقهم ومن تحتهم ومن كلّ جانب فماجوا فيه وتحيّروا ، فلمّا أشفقوا أن يهلكوا فيها عجّوا إليه بصوت واحد ، فكشفها عنهم ، وأخذهم عنوة ، فدخلوا في دعوته ، فجنّد من أهل المغرب أُمماً عظيمة ، فجعلهم جنداً واحداً . ثمّ انطلق بهم يقودهم والظلمة تسوقهم وتحرسهم من خلفهم ، والنور أمامهم يقودهم ويدلّه ، وهو يسير في ناحية الأرض اليمنى وهو يريد الأُمة التي في قطر الأرض الأيمن التي يُقال لها هاويل ، وسخّر الله عزّ وجلّ له يده وقلبه وعقله ورأيه ونظره فلا يخطئ إذا عمل عملاً .

فانطلق يقود تلك الأُمم وهي تتبعه ، فإذا انتهى إلى بحر أو مخاصة بنى سفناً من ألواح صغار أمثال البغال ، فنظمها في ساعة ثمّ حمل فيها جميع من معه من تلك الأمم والجنود ، فإذا قطع الأنهار والبحار فتقها ، ثمّ دفع إلى كل رجل منهم لوحاً فلا يثقله حمله ، فلم يزل ذلك دأبه حتّى انتهى إلى هاويل فعمل فيه كفعله في ناسك . فلّما خرج منها مضى على وجهه في ناحية الأرض اليمنى حتّى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس فعمل فيها وجنّد منها جنوداً كفعله في الأُمتين اللتين قبلها .

ثمّ كرّ مقبلاً حتى أخذ ناحية الأرض اليسرى وهو يريد تاويل وهي الأمة التي بحيال هاويل ، وهما متقابلتان بينهما عرض الأرض كلّه فلمّا بلغها عمل فيها وجنّد منها كعمله فيما قبلها .

فلمّا فرغ منها عطف منها إلى الأُمم التي في وسط الأرض من الجّن والإنس ويأجوج ومأجوج ، فلما كان في بعض الطريق ممّا يلي منقطع الترك نحو المشرق قالت له أُمّة صالحة من الإنس : يا ذا القرنين إنّ بين هذين الجبلين خلقاً من خلق الله تعالى ليس فيهم مشابه الإنس ، وفيهم أشباه البهائم يأكلون العشب ويفترسون الدّواب والوحش كما يفترسها السّباع ، ويأكلون [ حشرات ] الأرض كلها من الحيات والبهائم والعقارب وكلّ ذي روح ممّا خلق الله ، فليس لله تعالى خلق ينمي نماهم في العالم الواحد ولا يزدادون كزيادتهم . فإن أتت مدّة على ما ترى من زيادتهم ونمائهم فلا شك أنهم سيملؤون الأرض ويجلون أهلها منها ويظهرون عليها فيفسدون فيها . وليست تمر بنا سنة منذ جاورناهم إلاّ ونحن نتوقعهم أن يطلع علينا أوّلهم من بين هذين الجبلين ، { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } : أعدّوا لي الصخور والحديد والنحاس حتّى أرتاد بلادهم ، وأعلم علمهم ، وأقيس ما بين جبليهم .

ثمّ انطلق يؤمّهم حتّى دفع إليهم وتوسط بلادهم فوجدهم على مقدار واحد ، ذكرهم وأنثاهم ، يبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرّجل المربوع منّا . قال علي بن أبي طالب : " منهم من طوله شبر ومنهم من هو مفرط في الطول ، لهم مخالب في [ موضع ] الأظفار من بين أيدينا وأنياب وأضراس كأضراس السّباع وأنيابها يسمع لها حركة إذا أكلوا كحركة الجرّة من الإبل وكقضم البغل المسن أو الفرس القوي ، ولهم هلب من الشعر في أجسادهم ما يواريهم وما يتّقون به من الحر والبرد إذا أصابهم . ولكّل واحد منهم أُذنان عظيمتان أحدهما وبرة والأخرى زغبة يلتحف إحداهما ويفترش الأخرى ، ويصيف في إحداهما ويشتو في الأُخرى وليس منهم ذكر ولا أُنثى إلاّ وقد عرف أجله الذي يموت فيه ، ومنقطع عمره وذلك أنه لا يموت ميّت من ذكورهم حتّى يخرج من صلبه ألف ولد ، ولا تموت أُنثى حتّى يخرج من رحمها ألف ولد .

فإذا كان ذلك أيقن الموت . وهم يرزقون السينان أيام الربيع كما يستمطر الغيث لحينه فيقذفون منه كلّ سنّة واحداً فيأكلونه عامهم كله إلى مثلها من القابل فيعمهم على كثرتهم ، وهم يتداعون تداعي الحمام ، ويعوون عواء الذئاب ، ويتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا " .

فلمّا عاين منهم ذلك ذو القرنين انصرف إلى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما ، وهو في منقطع أرض الترك ممّا يلي مشرق الشمس فوجد بعد ما بينهما مئة فرسخ ، فلمّا أنشأ في عمله حفر له الأساس حتّى بلغ الماء ، ثمّ جعل عرضه خمسين فرسخاً . وجعل حشوه الصخر ، وطينه النحاس يُذاب ثمّ يُصب عليه فصار كأنه عرق من جبل تحت الأرض ثمّ علاّه وشرّفه بزبر الحديد والنحاس المذاب وجعل خلاله عرقاً من نحاس أصفر ، فصار كأنه برد محبّر من صفرة النحاس وحمرته في سواد الحديد .

فلما فرغ منه وأحكمه انطلق عامداً إلى جماعة الإنس ، فبينا هو يسير إذ دفع إلى أُمّة صالحة يهدون بالحق وبه يعدلون ، فوجد أُمة مقسطة مقتصدة يقيمون بالسّوية ، ويحكمون بالعدل ويتراحمون ، حالتهم واحدة وكلمتهم واحدة ، وأخلاقهم مشتبهة وطريقتهم مستقيمة ، وقلوبهم متآلفة ، وسيرتهم مستوية ، وقبورهم بأبواب بيوتهم ، وليس على بيوتهم أبواب ، وليس عليهم أُمراء ، وليس بينهم قضاة ، ولا بينهم أغنياء ولا ملوك ولا أشراف ، ولا يختلفون ولا يتفاضلون ، ولا يتنازعون ، ولا يستبّون ، ولا يقتلون ، ولا يضحكون ، ولا يحردون ولا تصيبهم الآفات التي تصيب النّاس ، وهم أطول الناس أعماراً ، وليس فيهم مسكين ولا فقير ، ولا فظ ولا غليظ . فلما رأى ذلك من أمرهم عجب وقال : " أخبروني أيّها القوم خبركم ، فإنّي قد أحصيت الأرض كلّها ؛ برّها وبحرها ، وشرقها وغربها ، فلم أرَ أحداً مثلكم ، فخبروني خبركم " . قالوا نعم : فسلنا عمّا تريد . قال : «خبروني ما بال قبوركم على أبواب بيوتكم ؟ » . قالوا : عمداً فعلنا ذلك ، لئلا ننسى الموت ، ولا يخرج ذكره من قلوبنا .

قال : " فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب ؟ " . قالوا : ليس فينا متّهم ، وليس فينا إلاّ أمين مؤتمن . قال : " فما بالكم ليس عليكم أمير ؟ " . قالوا : لا حاجة لنا إلى ذلك .

قال : " فما بالكم ليس فيكم حكّام ؟ " . قالوا : لا نختصم .

قال : " فما بالكم ليس فيكم أغنياء ؟ " . قالوا : لا نتكاثر .

قال : " فما بالكم ليس فيكم ملوك ؟ " . قالوا : لا نفتخر .

قال : " فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون ؟ " . قالوا : مِن أُلفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا . قال : " فما بالكم لا تقتتلون ؟ " . قالوا : من أجل أنّا شُبنا أنفسنا بالأحلام . قال : " فما بال كلمتكم واحدة ، وطريقتكم مستقيمة ؟ " . قالوا : من قبل أنا لا نتكاثر ، ولا نتخادع ، ولا يغتال بعضنا بعضاً .

قال : " فأخبروني من أين تشابهت قلوبكم ، واعتدلت سيرتكم ؟ " . قالوا : صحت صدورنا فنُزع بذلك الغل والحسد من قلوبنا .

قال : " فما بالكم ليس فيكم مسكين ولا فقير ؟ " . قالوا : من أجل أنا نقسم بالسوية .

قال : " فما بالكم ليس فيكم فظ ولا غليظ ؟ " . قالوا : من قبل الذل والتواضع .

قال : " فما جعلكم أطول النّاس أعماراً ؟ " . قالوا : من قبل أنا نتعاطى الحقّ ، ونحكم بالعدل .

قال : " فما بالكم لا تضحكون ؟ " . قالوا : لا نغفل عن الاستغفار .

قال : " فما بالكم لا تحزنون ولا تحردون ؟ " . قالوا : من قبل أنّا وطّنّا أنفسنا للبلاء مذ كنّا ، وأحببناه وحرصنا عليه . قال : " فما بالكم لا يصيبكم الآفات كما يصيب النّاس ؟

" . قالوا : لأنّا لا نتوكل على غير الله ، ولا نعمل الأنواء والنجوم .

قال : " وهكذا وجدتم آباءكم يفعلون ؟ " . قالوا : نعم : وجدنا آباءنا يرحمون مساكينهم ، ويواسون فقراءهم ، ويعفون عمّن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساء إليهم ، ويحلمون عمّن جهل عليهم ، ويصلون أرحامهم ، ويؤدون أمانتهم ، ويحفظون وقت صلاتهم ، ويوفون بعهدهم ، ويصدقون في مواعيدهم ، فأصلح الله عزّ وجلّ بذلك أمرهم ، وحفظهم ما كانوا أحياء . وكان حقاً على الله أن يخلفهم في ذريتهم . وروى قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة أن النبّي صلى الله عليه وسلم قال : " إن يأجوج ومأجوج يحفرونه كلّ يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : ارجعوا فتحفرونه غداً . فيعيده الله عزّ وجلّ كأشدّ ما كان . حتّى إذابلغت مدتهم حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه إن شاء الله غداً ، فيعود إليه وهو كهيئته حين تركوه ، فيحفرونه فيخرجون على النّاس فيتبعون المياه ، ويتحصن النّاس في حصونهم ، فيرمون بسهامهم إلى السماء فيرجع فيها كهيئة الدم ، فيقولون : قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء . فيبعث الله عزّ وجلّ نغفاً عليهم في أقفائهم فيقتلونهم " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده إنّ دواب الأرض لتسمن وتسكر سكراً من لحومهم " .

وروى محمود بن قتادة عن أبي سعيد الخدري أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يفتح يأجوج ومأجوج فيخرجون كما قال الله عزّ وجلّ : { وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } [ الأنبياء : 96 ] فيغشون الأرض وينحاز المسلمون عنهم إلى حصونهم ومدائنهم حتى إن أولهم يمرون بالنهر من أنهار الأرض " قال أبو الهيثم : الدجلة " فيشربون حتى يصير يابسة ، فيمر به الذين من بعدهم فيقولون : لقد كان بهذا المكان ماء مرّة ، حتى إذا ظهروا على أهل الأرض قالوا : هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم ، وبقي أهل السماء " .

قال صلى الله عليه وسلم " فيهزّ أحدهم حربته ثمّ يقذفها إلى السماء فترجع إليه مختضبة دماً للفتنة . فبينا هم كذلك إذ يبعث الله عزّ وجلّ عليهم دوداً كنغف الجراد فيموتون موت الجراد ، فيصبح المسلمون لا يسمعون لهم حساً ، فيقولون : هل من رجل يشتري لنا نفسه فينظر ما فعل هؤلاء القوم ؟ فينزل رجل منهم قد أيقن أنه مقتول ، فيجدهم موتى بعضهم على بعض فينادي أصحابه : أبشروا ، فقد كفاكم الله عزّ وجلّ عدوّكم . فيخرج المسلمون فيرسلون مواشيهم فيهم فما يكون لها رعىً غير لحومهم وتكثر عليه كأحسن ما تكثر على شيء من النبات أصابته قط " .

قال وهب : إنهم كانوا يأتون البحر فيشربون ماءها ، ويأكلون دوابّها ، ثمّ يأكلون الخشب والشجر ومن ظفروا به من النّاس ، ولا يقدرون أن يأتوا مكّة ولا المدينة ولا بيت المقدس .

في قوله تعالى : { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } قرأ أهل الكوفة : ( خراجاً ) بالألف . الباقون بغير ألف ، وهما لغتان ، بمعنى واحد . وقال أبو عمرو بن العلاء : الخرج : ما تبرّعت به ، والخراج : ما لزمك أداؤه . { عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } : حاجزاً فلا يصلون إلينا ؟