ثم قال : { قالوا يا ذا القرنين إن يا جوج وما جوج مفسدون في الأرض } [ 90 ] .
أي : قالوا بلغتهم [ أو ] {[43557]} أو مؤوا إليه بذلك ففهم عنهم {[43558]} . ويأجوج ومأجوج اسمان أعجميان معرفتان فلذلك لا تنصرف {[43559]} . ولذلك ترك همزة {[43560]} من [ رأى ] {[43561]} ذلك ، {[43562]} لأن الأعجمي غير مشتق {[43563]} .
فأما من همزه {[43564]} فإنه جعله عربيا مشتقا من أجت {[43565]} النار {[43566]} ، ولكن لم ينصرف لأنه اسم للقبيلة وهو معرفة ، وقال : الكسائي : من همزه جعله من أجيج النار يفعول ومفعول ، {[43567]} ويجوز أن يكون من ترك حمزه أخذه أيضا من هذا وسهل الهمزة على القياس فأبدل منها ألفا {[43568]} ، ذكر سعيد بن عبد العزيز : أن إفسادهم في أنهم كانوا يأكلون الناس {[43569]} .
قال : محمد بن إسحاق : حدثني من لا اتهم عن وهب بن منبه اليماني ، وكان له علم بالأحاديث الأولى ، أنه كان يقول : ذو القرنين رجل من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره . وكان اسمه الاسكندر وإنما سمي ذا {[43570]} القرنين لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس ، فلما بلغ وكان عبدا صالحا ، قال : الله : يا ذا القرنين إني باعثك إلى أمم الأرض وهي أمم مختلفة ألسنتها وهم جميع أهل الأرض منهم أمتان بينهما طول الأرض [ كله ] {[43571]} . ومنهم أمتان بينهما عرض الأرض [ كله ] {[43572]} . وأمم في وسط الأرض {[43573]} ومنهم الجن والإنس ويأجوج ومأجوج . فأما اللتان بينهما طول الأرض فامة عند مغرب الشمس يقال : لها ناسك وأما الأخرى فعند مطلع الشمس يقال : لها منسك . وأما اللتان بينهما عرض الأرض فاقة في بطن {[43574]} الأرض الأيمن يقال لها هاويل ، وأما الأخرى التي في بطن {[43575]} الأرض الأيسر ، فيقال : لها راويل {[43576]} ، ثم مضى في الحديث بطوله . وقال : في بعض الحديث : فلما كان في بعض الطريق مما يلي منطقع الترك نحو المشرق قالت {[43577]} له أمة من الإنس صالحة : يا ذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقا من خلق الله كثير {[43578]} فيهم مشابهة من الإنس . وهم أشباه البهائم يأكلون العشب ويفترسون {[43579]} الدواب والوحوش كما {[43580]} تفترس السباع {[43581]} ، ويأكلون خشاش {[43582]} الأرض من الحيات والعقارب وكل ذي روح مما خلق في الأرض . وليس لله خلق ينمو نماءهم في العام الواحد ولا يزداد كزيادتهم ولا يكثر ككثرتهم . [ فإن كانت {[43583]} ] لهم مدة على ما ترى من نمائهم وزيادتهم فلا شك {[43584]} أنهم سيملئون {[43585]} [ الأرض ] {[43586]} ويأكلون أهلها ويظهرون عليها فيفسدون فيها . وليست تمر بنا سنةنذ جاورناهم {[43587]} إلا ونحن نتوقعهم وننتظر أن يطلع {[43588]} علينا أوائلهم من بين هذين الجبلين { فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا } [ 90 ] أي حاجزا { قال ما مكني فيه ربي خير {[43589]} } [ 91 ] أي : ما أعطاني من القوة والتدبير والتيسير في الأمور {[43590]} خير مما تعطوني من أموالكم ولكن أعينوني بقوة أي برجال يعملون معي : أعدوا لي الصخور والحديد والنحاس حتى ارتاد بلادهم ، وأعلم علمهم ، وأقيس ما بين جبليهم . ثم انطلق يؤمهم حتى وقع {[43591]} إليهم وتوسط بلادهم . فوجدهم على مقد[ ا ]ر {[43592]} واحد ذكرهم وأنثاهم {[43593]} يبلغ طول أحدهم {[43594]} مثل نصف طول الرجل المربوع {[43595]} منا . لهم مخاليب في مواضع الأظفار من أيدينا . وأضراس وأنياب كأضراس السباع وأنيابها ، وأحناك [ كأحناك {[43596]} ] الإبل قوة . تسمع لهم حركة إذا أكلوا كحركة الجرة {[43597]} من الإبل ، أو كقضم {[43598]} البغل المسن {[43599]} . ولهم هلب من الشعر في أجسادهم ما يواريهم ، و[ ما ] {[43600]} يتقون به الحر والبرد ، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان ، إحداهما وبرة ظهرها وبطنها ، والأخرى زغبة ظهرها وبطنها . تسعانه {[43601]} إذا لبسهما يلتحف إحداهما ويفترش الأخرى . يصيف في أحدهما ويشتي في الأخرى . ليس منهم ذكر ولا أنثى إلا وقد عرف أجله الذي يموت فيه وينقطع عمره . وذلك أنه لا يموت ميت من ذكورهم حتى يخرج من صلبه ألف ولد ولا تموت أنثى حتى يخرج من رحمها ألف ولد . فإذا كان ذلك أيقن بالموت {[43602]} . وهم يرزقون التنين في أيام الربيع ويستمطرونه إذا تحينوه .
كما يستمطر المطر بحينه فيقدرون منه كل سنة . فيأكلون عامهم كله إلى مثلها من القابلة . فيغنيهم {[43603]} على كثرتهم ونمائهم . فإذا أمطروه أخصبوه وعاشوا وسمنوا عليه ورؤي {[43604]} أثره {[43605]} عليهم . فدرت {[43606]} عليهم الإناث ، وشبعت {[43607]} منه الرجال . وإذا أخطاهم {[43608]} هزلوا وجفرت {[43609]} الذكور ، وحالت الاناث ، وتبين أثر ذلك عليهم . وهم يتداعون تداعي الحمام ، ويعوون عوي الذئاب ، ويتسافدون {[43610]} حيث التقوا {[43611]} تسافد البهائم . ثم لما عاين ذلك منهم ذو القرنين انصرف إلى ناحية الصدفين فقاس ما بينهما وهو في منطقع أثر الترك مما يلي مشرق الشمس فوجد بعدما بينهما مائة فرسخ ، فلما أنشأ عمله حفر له اسما حتى بلغ الماء . ثم جعل عرضه خمسين فرسخا . وجعل حشوه الصخور {[43612]} ، وطينه النحاس ، يداب ثم يصب عليه . فصار كأنه عرف من جبل حشوه الأرض . ثم علاه وشرفه بزبر {[43613]} الحديد والنحاس المذاب . ثم جعل خلاله عرفا من الأرض . ثم جعل خلاله عرفا من نحاس أصفر . [ فصار {[43614]} ] كأنه برد محبر من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد . فلما فرغ منه و[ أ ] حكمه {[43615]} انطلق عامدا إلى جماعة الجن والإنس . فسار {[43616]} حتى وصل إلى قوم يونس {[43617]} [ وهم {[43618]} ] أمة/ صالحة يهدون بالحق وبه يعدلون . يقتسمون بالسوية ، ويحكمون بالعدل ، ويتواسون {[43619]} ويتراحمون . حالهم واحدة . وكلمتهم {[43620]} واحدة وطريقتهم مستقيمة وقلوبهم متآلفة {[43621]} . وسيرتهم مستوية ، وقبورهم بأبواب بيوتهم . وليس على بيوتهم أبواب ولا {[43622]} عليهم امراء {[43623]} ثم {[43624]} أتى خبر يونس بطوله {[43625]} .
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن يأجوج ومأجوج يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا {[43626]} يرون شعاع الشمس قال : الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غدا . فيعيده الله كأشد ما كان . فإذا بلغت مدتهم حفروا ، حتى إذا كادوا {[43627]} يرون شعاع الشمس فقال : الذي عليهم : ارجعوا فستفتحون {[43628]} غدا إن شاء الله ، فيقدمون {[43629]} عليه {[43630]} وهو كهيئته حين تركوه . فيخرجون على الناس فيشربون المياه ، ويتحصن الناس {[43631]} في حصونهم . فيرمون بسهامهم . فيرجع فيها كهيئة الدماء فيقولون : قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله عليهم {[43632]} نغفا {[43633]} في أعناقهم فيقتلونهم فقال : النبي صلى الله عليه وسلم " والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من {[43634]} لحومهم {[43635]} .
وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يفتح يأجوج ومأجوج ويخرجون على الناس كما قال : الله : { وهم من كل حدب ينسلون {[43636]} } فيغشون الأرض . وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم ويضمون {[43637]} إليهم مواشيهم . فيشربون مياه الأرض حتى [ إن {[43638]} ] بعضهم ليمر بالنهر فيشربه جميعه حتى يتركوه يابسا . وحتى إن من بعده ليمر بذلك النهر فيقول : لقد كان هاهنا ماء مرة حتى إذا لم يبق أحد إلا أحدا في حصن أو في مدينة قال : قائلهم . هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم وبقي أهل السماء . قال : فيهز أحدهم حربته ثم يرمي بها إلى السماء فترجع إليه مخضبة دما للبلاء والفتنة . فبينما هم على ذلك بعث الله عليهم دودا في أعناقهم كالنغف فتخرج {[43639]} في أعناقهم فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس . فيقول المسلمون ألا رجل يشري {[43640]} نفسه فينظر ما فعل هذا العدو . وقال : فينفرد رجل منهم بذلك محتسبا نفسه قد وطنها على أنه مقتول . فيجدهم موتى بعضهم فوق بعض . فينادي : يا معشر المسلمين ! ألا فأبشروا ، فإن الله قد كفاكم عدوكم . فيخرجون {[43641]} من مدائنهم وحصونهم فيسرحون بمواشيهم فما يكون لها رعي إلا لحومهم فتشكر عليهم أحسن ما شكرت على شيء من النبات {[43642]} .
قال : ابن وهب : وخبرت أن يأجوج ومأجوج ثلاثة أصناف ، صنف منهم طولهم كطول الأرز {[43643]} . وصنف طوله هو وعرضه سواء ، وصنف يفترش أحدهم أذنه ويغطي بالأخرى سائر جسده {[43644]} .
ومعنى : { مفسدون في الأرض } [ 90 ] ، أي سيفسدون ولم يكن لهم افساد بعد إنما خيف منهم ذلك وسيكون إذا خرجوا .