الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قَالُواْ يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِنَّ يَأۡجُوجَ وَمَأۡجُوجَ مُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَهَلۡ نَجۡعَلُ لَكَ خَرۡجًا عَلَىٰٓ أَن تَجۡعَلَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَهُمۡ سَدّٗا} (94)

ثم قال : { قالوا يا ذا القرنين إن يا جوج وما جوج مفسدون في الأرض } [ 90 ] .

أي : قالوا بلغتهم [ أو ] {[43557]} أو مؤوا إليه بذلك ففهم عنهم {[43558]} . ويأجوج ومأجوج اسمان أعجميان معرفتان فلذلك لا تنصرف {[43559]} . ولذلك ترك همزة {[43560]} من [ رأى ] {[43561]} ذلك ، {[43562]} لأن الأعجمي غير مشتق {[43563]} .

فأما من همزه {[43564]} فإنه جعله عربيا مشتقا من أجت {[43565]} النار {[43566]} ، ولكن لم ينصرف لأنه اسم للقبيلة وهو معرفة ، وقال : الكسائي : من همزه جعله من أجيج النار يفعول ومفعول ، {[43567]} ويجوز أن يكون من ترك حمزه أخذه أيضا من هذا وسهل الهمزة على القياس فأبدل منها ألفا {[43568]} ، ذكر سعيد بن عبد العزيز : أن إفسادهم في أنهم كانوا يأكلون الناس {[43569]} .

قال : محمد بن إسحاق : حدثني من لا اتهم عن وهب بن منبه اليماني ، وكان له علم بالأحاديث الأولى ، أنه كان يقول : ذو القرنين رجل من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره . وكان اسمه الاسكندر وإنما سمي ذا {[43570]} القرنين لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس ، فلما بلغ وكان عبدا صالحا ، قال : الله : يا ذا القرنين إني باعثك إلى أمم الأرض وهي أمم مختلفة ألسنتها وهم جميع أهل الأرض منهم أمتان بينهما طول الأرض [ كله ] {[43571]} . ومنهم أمتان بينهما عرض الأرض [ كله ] {[43572]} . وأمم في وسط الأرض {[43573]} ومنهم الجن والإنس ويأجوج ومأجوج . فأما اللتان بينهما طول الأرض فامة عند مغرب الشمس يقال : لها ناسك وأما الأخرى فعند مطلع الشمس يقال : لها منسك . وأما اللتان بينهما عرض الأرض فاقة في بطن {[43574]} الأرض الأيمن يقال لها هاويل ، وأما الأخرى التي في بطن {[43575]} الأرض الأيسر ، فيقال : لها راويل {[43576]} ، ثم مضى في الحديث بطوله . وقال : في بعض الحديث : فلما كان في بعض الطريق مما يلي منطقع الترك نحو المشرق قالت {[43577]} له أمة من الإنس صالحة : يا ذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقا من خلق الله كثير {[43578]} فيهم مشابهة من الإنس . وهم أشباه البهائم يأكلون العشب ويفترسون {[43579]} الدواب والوحوش كما {[43580]} تفترس السباع {[43581]} ، ويأكلون خشاش {[43582]} الأرض من الحيات والعقارب وكل ذي روح مما خلق في الأرض . وليس لله خلق ينمو نماءهم في العام الواحد ولا يزداد كزيادتهم ولا يكثر ككثرتهم . [ فإن كانت {[43583]} ] لهم مدة على ما ترى من نمائهم وزيادتهم فلا شك {[43584]} أنهم سيملئون {[43585]} [ الأرض ] {[43586]} ويأكلون أهلها ويظهرون عليها فيفسدون فيها . وليست تمر بنا سنةنذ جاورناهم {[43587]} إلا ونحن نتوقعهم وننتظر أن يطلع {[43588]} علينا أوائلهم من بين هذين الجبلين { فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا } [ 90 ] أي حاجزا { قال ما مكني فيه ربي خير {[43589]} } [ 91 ] أي : ما أعطاني من القوة والتدبير والتيسير في الأمور {[43590]} خير مما تعطوني من أموالكم ولكن أعينوني بقوة أي برجال يعملون معي : أعدوا لي الصخور والحديد والنحاس حتى ارتاد بلادهم ، وأعلم علمهم ، وأقيس ما بين جبليهم . ثم انطلق يؤمهم حتى وقع {[43591]} إليهم وتوسط بلادهم . فوجدهم على مقد[ ا ]ر {[43592]} واحد ذكرهم وأنثاهم {[43593]} يبلغ طول أحدهم {[43594]} مثل نصف طول الرجل المربوع {[43595]} منا . لهم مخاليب في مواضع الأظفار من أيدينا . وأضراس وأنياب كأضراس السباع وأنيابها ، وأحناك [ كأحناك {[43596]} ] الإبل قوة . تسمع لهم حركة إذا أكلوا كحركة الجرة {[43597]} من الإبل ، أو كقضم {[43598]} البغل المسن {[43599]} . ولهم هلب من الشعر في أجسادهم ما يواريهم ، و[ ما ] {[43600]} يتقون به الحر والبرد ، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان ، إحداهما وبرة ظهرها وبطنها ، والأخرى زغبة ظهرها وبطنها . تسعانه {[43601]} إذا لبسهما يلتحف إحداهما ويفترش الأخرى . يصيف في أحدهما ويشتي في الأخرى . ليس منهم ذكر ولا أنثى إلا وقد عرف أجله الذي يموت فيه وينقطع عمره . وذلك أنه لا يموت ميت من ذكورهم حتى يخرج من صلبه ألف ولد ولا تموت أنثى حتى يخرج من رحمها ألف ولد . فإذا كان ذلك أيقن بالموت {[43602]} . وهم يرزقون التنين في أيام الربيع ويستمطرونه إذا تحينوه .

كما يستمطر المطر بحينه فيقدرون منه كل سنة . فيأكلون عامهم كله إلى مثلها من القابلة . فيغنيهم {[43603]} على كثرتهم ونمائهم . فإذا أمطروه أخصبوه وعاشوا وسمنوا عليه ورؤي {[43604]} أثره {[43605]} عليهم . فدرت {[43606]} عليهم الإناث ، وشبعت {[43607]} منه الرجال . وإذا أخطاهم {[43608]} هزلوا وجفرت {[43609]} الذكور ، وحالت الاناث ، وتبين أثر ذلك عليهم . وهم يتداعون تداعي الحمام ، ويعوون عوي الذئاب ، ويتسافدون {[43610]} حيث التقوا {[43611]} تسافد البهائم . ثم لما عاين ذلك منهم ذو القرنين انصرف إلى ناحية الصدفين فقاس ما بينهما وهو في منطقع أثر الترك مما يلي مشرق الشمس فوجد بعدما بينهما مائة فرسخ ، فلما أنشأ عمله حفر له اسما حتى بلغ الماء . ثم جعل عرضه خمسين فرسخا . وجعل حشوه الصخور {[43612]} ، وطينه النحاس ، يداب ثم يصب عليه . فصار كأنه عرف من جبل حشوه الأرض . ثم علاه وشرفه بزبر {[43613]} الحديد والنحاس المذاب . ثم جعل خلاله عرفا من الأرض . ثم جعل خلاله عرفا من نحاس أصفر . [ فصار {[43614]} ] كأنه برد محبر من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد . فلما فرغ منه و[ أ ] حكمه {[43615]} انطلق عامدا إلى جماعة الجن والإنس . فسار {[43616]} حتى وصل إلى قوم يونس {[43617]} [ وهم {[43618]} ] أمة/ صالحة يهدون بالحق وبه يعدلون . يقتسمون بالسوية ، ويحكمون بالعدل ، ويتواسون {[43619]} ويتراحمون . حالهم واحدة . وكلمتهم {[43620]} واحدة وطريقتهم مستقيمة وقلوبهم متآلفة {[43621]} . وسيرتهم مستوية ، وقبورهم بأبواب بيوتهم . وليس على بيوتهم أبواب ولا {[43622]} عليهم امراء {[43623]} ثم {[43624]} أتى خبر يونس بطوله {[43625]} .

وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن يأجوج ومأجوج يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا {[43626]} يرون شعاع الشمس قال : الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غدا . فيعيده الله كأشد ما كان . فإذا بلغت مدتهم حفروا ، حتى إذا كادوا {[43627]} يرون شعاع الشمس فقال : الذي عليهم : ارجعوا فستفتحون {[43628]} غدا إن شاء الله ، فيقدمون {[43629]} عليه {[43630]} وهو كهيئته حين تركوه . فيخرجون على الناس فيشربون المياه ، ويتحصن الناس {[43631]} في حصونهم . فيرمون بسهامهم . فيرجع فيها كهيئة الدماء فيقولون : قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله عليهم {[43632]} نغفا {[43633]} في أعناقهم فيقتلونهم فقال : النبي صلى الله عليه وسلم " والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من {[43634]} لحومهم {[43635]} .

وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يفتح يأجوج ومأجوج ويخرجون على الناس كما قال : الله : { وهم من كل حدب ينسلون {[43636]} } فيغشون الأرض . وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم ويضمون {[43637]} إليهم مواشيهم . فيشربون مياه الأرض حتى [ إن {[43638]} ] بعضهم ليمر بالنهر فيشربه جميعه حتى يتركوه يابسا . وحتى إن من بعده ليمر بذلك النهر فيقول : لقد كان هاهنا ماء مرة حتى إذا لم يبق أحد إلا أحدا في حصن أو في مدينة قال : قائلهم . هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم وبقي أهل السماء . قال : فيهز أحدهم حربته ثم يرمي بها إلى السماء فترجع إليه مخضبة دما للبلاء والفتنة . فبينما هم على ذلك بعث الله عليهم دودا في أعناقهم كالنغف فتخرج {[43639]} في أعناقهم فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس . فيقول المسلمون ألا رجل يشري {[43640]} نفسه فينظر ما فعل هذا العدو . وقال : فينفرد رجل منهم بذلك محتسبا نفسه قد وطنها على أنه مقتول . فيجدهم موتى بعضهم فوق بعض . فينادي : يا معشر المسلمين ! ألا فأبشروا ، فإن الله قد كفاكم عدوكم . فيخرجون {[43641]} من مدائنهم وحصونهم فيسرحون بمواشيهم فما يكون لها رعي إلا لحومهم فتشكر عليهم أحسن ما شكرت على شيء من النبات {[43642]} .

قال : ابن وهب : وخبرت أن يأجوج ومأجوج ثلاثة أصناف ، صنف منهم طولهم كطول الأرز {[43643]} . وصنف طوله هو وعرضه سواء ، وصنف يفترش أحدهم أذنه ويغطي بالأخرى سائر جسده {[43644]} .

ومعنى : { مفسدون في الأرض } [ 90 ] ، أي سيفسدون ولم يكن لهم افساد بعد إنما خيف منهم ذلك وسيكون إذا خرجوا .


[43557]:ساقط من ق.
[43558]:وهو قول النحاس انظر إعراب النحاس 2/473.
[43559]:ق: "لا ينصرف" والقول للزجاج، انظر معاني الزجاج 3/310.
[43560]:ق: "همزة".
[43561]:ساقط من ط.
[43562]:قرأ "يأجوج ومأجوج" بغير همز عامة القراء من الحجاز والعراق وغيرهم إلا عاصما، انظر معاني الفراء 2/159 وجامع البيان 16/16 ومعاني الزجاج 3/310، والسبعة 399 والحجة لابن خالويه 231 والحجة 433، والكشف 2/76، والمشكل 2/49، والتيسير 146، والجامع 11/38 وتحبير التيسير 139.
[43563]:ط: "الأعجمية غير مشتقة".
[43564]:وهي قراءة عاصم والأعرج، انظر معاني الفراء 2/159، وجامع البيان 16/16، ومعاني الزجاج 3/310، والسبعة 399 وإعراب النحاس 2/473، والحجة 432، والكشف 2/76، والمشكل 2/49، والتيسير 146، والجامع 11/38 وتحبير التيسير 139.
[43565]:ق: "احب".
[43566]:انظر هذا القول في معاني الزجاج 3/310، والمشكل 2/49، والجامع 11/38.
[43567]:انظر قوله في الحجة لابن خالويه 229، والجامع 11/38.
[43568]:انظر هذا القول في المشكل 2/49، والجامع 11/38.
[43569]:انظر قوله في جامع البيان 16/17، والجامع ا11/38.
[43570]:ق: "ذو".
[43571]:ساقط من ق.
[43572]:ساقط من ق.
[43573]:ق زاد "كلهم".
[43574]:في جامع البيان "قطر".
[43575]:في جامع البيان "قطر".
[43576]:ط: "واويل" وفي جامع البيان "تأويل".
[43577]:ق: "قاله".
[43578]:ط : كثيرا.
[43579]:ط: "يفترشون".
[43580]:ق: "حتى".
[43581]:ط: "تفترش".
[43582]:في النسختين "قشاب".
[43583]:ساقط من ق.
[43584]:ق : "ولا شك".
[43585]:ق: سيعملون.
[43586]:ساقط من ق.
[43587]:ق: "جاوزناهم".
[43588]:ق: "تطلع".
[43589]:ط: خيرا.
[43590]:ق: "في الأمور في الأمور".
[43591]:ق: "رافع".
[43592]:ساقط من ط.
[43593]:ط: "إناثهم".
[43594]:ط: "الواحد منهم" ولعله الأصوب.
[43595]:ق: "المربع".
[43596]:ساقط من النسختين.
[43597]:ق: "الحركة".
[43598]:ق: كقضم.
[43599]:ق: المسنا.
[43600]:ساقط من ط.
[43601]:ق: يسعانه.
[43602]:ق: يحينوه.
[43603]:ق: "فيعثهم".
[43604]:ق: "وراء".
[43605]:ط: آثاره.
[43606]:ق: فردت.
[43607]:في جامع البيان "وشبقت".
[43608]:ط: "أبطاهم" ولعله الأصوب.
[43609]:ق : "وحفرت". ومعنى جفرت: انقطعت عن الضراب وقل ماؤها. انظر اللسان (جفر).
[43610]:"السفاد: نزو الذكر على الأنثى"، انظر اللسان (سفد).
[43611]:ق: "التقا".
[43612]:ق: "الصخار".
[43613]:ق: "يزبد".
[43614]:ساقط من ق.
[43615]:ساقط من ق.
[43616]:ط: "فسار".
[43617]:ق: "تونس".
[43618]:زيادة ليستقيم المعنى.
[43619]:ق: "يتواصلون".
[43620]:ق: "كلامتهم".
[43621]:ق: "متلفة".
[43622]:ق: "وعلا".
[43623]:ق: أمرا.
[43624]:ط: "ثم ثم".
[43625]:انظر الخبر بطوله في جامع البيان16/17 والجامع 11/34 والدر 5/439.
[43626]:في النسختين "كانوا".
[43627]:ط: كانو.
[43628]:ط: "فستحفرونه".
[43629]:ط: "فيعيدون".
[43630]:ط: "إليه".
[43631]:ط: "... الناس منهم".
[43632]:هذا آخر النسخة ط.
[43633]:"النغف دود يسقط من أنوف الغنم والإبل" وقيل غير ذلك. انظر اللسان (نغف).
[43634]:في اللسان (شكر: "شكرت الإبل تشكر إذا أصابت مرعى فسمنت عليه".
[43635]:الحديث أخرجه الترمذي في السنن كتاب أبواب تفسير القرآن، رقم 5160، وابن ماجه في السنن باب فتنة الدجال رقم 4080 والحاكم في المستدرك 4/488 وأحمد في المسند 4/19، وانظره في جامع البيان 16/21، والجامع 11/42، والدر 5/458.
[43636]:الأنبياء: 96.
[43637]:ق: ويضموا.
[43638]:ساقط من ق، والتكملة من جامع البيان.
[43639]:ق: "أعناقهم كالنغف فتخرج مرتين".
[43640]:ق: "رجلا يشتري" والتصويب من جامع البيان.
[43641]:التكملة من جامع البيان.
[43642]:الحديث أخرجه ابن ماجه في السنن كتاب الفتن، رقم 4079، والحاكم في المستدرك 4/489 وانظره في جامع البيان 16/21.
[43643]:ق: "الأوز" والتصويب من جامع البيان.
[43644]:يروى ابن وهب هذا القول عن معاوية عن أبي الزاهرية وشريح بن عبيد، انظر جامع البيان 16/22، وفي الدر 5/456 أنه قول كعب.