171- رد اللَّه على اليهود في قولهم : إن بني إسرائيل لم تصدر منهم مخالفة في الحق ، فقال : واذكر لهم - أيها النبي - حين رفعنا الجبل فوق رؤوس بني إسرائيل كأنه غمامة ، وفزعوا لظنهم أنه واقع عليهم ، وقلنا لهم - في حالة الرفع ورهبتهم - خذوا ما أعطيناكم من هدى في التوراة بجد وعزم على الطاعة ، وتذكروا ما فيه لعلكم تعتبرون وتتهذب نفوسكم بالتقوى .
{ نتقنا } معناه اقتلعنا ورفعنا فكأن النتق اقتلاع الشيء ، تقول العرب : نتقت الزبدة من فم القربة ، ومنه قول الشاعر : [ الرجز ]
والناتق الرحم التي تقلع الولد من الرجل ، ومنه قول النابغة :
لم يحرموا حسن الغداء وأمهم*** دحقت عليك بناتق مذكار
وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «عليكم بتزويج الأبكار فإنهن أنتق أرحاماً وأطيب أفواهاً » الحديث . وقد جاء في القرآن بدل هذه اللفظة في هذه القصة بعينها [ رفعنا ] لكن { نتقنا } ، و { فوقَهم } أعطت الرفع بزيادة قرينة هي أن الجبل اقتلعته الملائكة وأمر الله إياه ، وروي أن موسى عليه السلام لما جاءهم بالتوراة فقال عن الله تعالى هذا كتاب الله أتقبلونه بما فيه ؟ فإن فيه بيان ما أحل لكم وما حرم عليكم وما أمركم وما نهاكم ، قالوا : انشر علينا ما فيها فإن كانت فرائضها يسيرة وحدودها خفيفة قبلناها ، قال : قبلوها بما فيها قالوا : لا ، فراجعهم موسى فراجعوا ثلاثاً فأوحى الله عز وجل إلى الجبل فانقلع وارتفع فوق رؤوسهم ، فقال لهم موسى صلى الله عليه وسلم ألا ترون ما يقول ربي ؟ : لئن لم تقبلوا التوراة بما فيها لأرمينكم بهذا الجبل قال الحسن البصري : فلما رأوا إلى الجبل خر كل واحد منهم ساجداً على حاجبه الأيسر ونظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقاً أن يسقط عليه فلذلك ليس في الأرض يهودي يسجد إلا على حاجبه الأيسر يقولون هذه السجدة التي رفعت بها عنا العقوبة ، و «الظلة » ما أظل ومنه { من ظلل من الغمام } ومنه { عذاب يوم الظلة } ومنه قول أسيد بن حضير للنبي صلى الله عليه وسلم : قرأت البارحة «فغشي الدار مثل الظلة فيها أمثال المصابيح » فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «تلك السكينة تنزلت للقرآن » فإن قيل فإذا كان الجبل ظلة فما معنى : كأنه ؟ فالجواب أن البشر إنما اعتادوا هذه الأجرام الأرضية ظللاً إذا كانت على عمد ، فلما كان الجبل على غير عمد قيل { كأنه ظلة } أي كأنه على عمد ، { وظنوا } قال المفسرون : معناه أيقنوا .
قال القاضي أبو محمد : وليس الأمر عندي كذلك بل هو موضع غلبة الظن مع بقاء الرجاء ، وكيف يوقنون بوقوعه وموسى عليه السلام يقول : إن الرمي به إنما هو بشرط أن لا يقبلوا التوراة والظن إنما يقع ويستعمل في اليقين متى كان ذلك المتيقن لم يخرج إلى الحواس وقد يبين هذا فيما سلف من هذا الكتاب ، ثم قيل لهم في وقت ارتفاع الجبل : { خذوا ما آتيناكم بقوة } فأخذوها والتزموا جميع ما تضمنته من شدة ورخاء فما وفوا ، وقرأ جمهور الناس : { واذكروا } وقرأ الأعمش فيما حكى أبو الفتح عنه : «واذكروا ولعلكم » على ترجيهم ، وهذا تشدد في حفظها والتهمم بأمرها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.