فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞وَإِذۡ نَتَقۡنَا ٱلۡجَبَلَ فَوۡقَهُمۡ كَأَنَّهُۥ ظُلَّةٞ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُۥ وَاقِعُۢ بِهِمۡ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (171)

{ وإذ } أي اسألهم إذ والغرض من هذا إلزام اليهود والرد عليهم في قولهم : إن بين إسرائيل لم يصدر منهم مخالفة في الحق { نتقنا } النتق اختلفت فيه عبارات أهل اللغة فقال أبو عبيدة : هو قلع الشيء من موضعه والرمي به ومنه نتق ما في الجراب إذا نفضه فرمى ما فيه ، وامرأته ناتق ومنتاق إذا كانت كثيرة الولادة ، وفي الحديث : ( عليكم بزواج الأبكار فإنهم أنتق أرحاما وأطيب أفواها ، وأرضى باليسير ) {[791]} ، وقيل النتق الجذب بشدة ومنه نتقت السقاء إذا جذبته بشدة لتقلع الزبدة من فمه ، وقال الفراء : هو الرفع ، وقال ابن قتيبة هو الزعزعة وبه فسر مجاهد .

وكل هذه معان متقاربة أي رفعنا { الجبل } من أصله وهو الطور الذي سمع موسى عليه كلام ربه وأعطي الألواح وقيل هو جبل من جبال فلسطين وقيل هو الجبل عند بيت المقدس وكان ارتفاعه على قدر قامتهم ، فكان محاذيا لرؤوسهم كالسقيفة { فوقهم كأنه } لارتفاعه { ظلة } أي سحابة تظلمهم وهي اسم لكل ما أظل ، وقال البيضاوي : كأنه سقيفة وهي كل ما أظلك وقرئ طلة بالطاء من أطل عليه إذا أشرف .

{ وظنوا } قيل الظن هنا بمعنى العلم وقيل هو على بابه { أنه } أي الجبل { واقع بهم } أي ساقط عليهم { خذوا } أي قلنا لهم خذوا { ما آتيناكم بقوة } هي الجد والعزيمة أي أخذا كائنا بقوة واجتهاد ، قال ابن عباس : أي خذوا ما آتيناكم وإلا أرسلته عليكم ورفعته الملائكة فوق رؤسهم فكانوا إذا نظروا إلى الجبل قالوا سمعنا وأطعنا ، وإذا نظروا إلى الكتاب قالوا سمعنا وعصينا .

وعنه قال : إني لأعلم لم يسجد اليهود إلا على حرف قال الله وإذ نتقنا الجبل قال لتأخذن أمري أو لأرمينكم به فسجدوا وهم ينظرون إليه مخافة أن يسقط عليهم وكانت سجدة رضيها الله سبحانه فاتخذوها سنة ، وقال قتادة في الآية انتزعه الله من أصله ثم جعله فوق رؤوسهم فسجد كل واحد منهم على خذه وحاجبه الأيسر وجعل ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل خوفا أن يسقط عليه ، ولذلك لا تسجد اليهود إلا على شق وجوههم الأيسر .

{ واذكروا ما فيه } من الأحكام التي شرعها الله لكم ولا تنسوها { لعلكم تتقون } أي رجاء أن تتقوا ما نهيتم عنه وتعملوا بما أمرتم به ، وقد تقدم تفسير ما هنا في البقرة مستوفى فلا نعيده .


[791]:- صحيح الجامع الصغير 3932.