تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{۞وَإِذۡ نَتَقۡنَا ٱلۡجَبَلَ فَوۡقَهُمۡ كَأَنَّهُۥ ظُلَّةٞ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُۥ وَاقِعُۢ بِهِمۡ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (171)

{ وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ماءاتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون( 171 ) } :

المفردات :

نتقنا : رفعنا .

ظلة : الظلة : ما أظلك .

بقوة : بجد وعزيمة .

وظنوا : أي : تيقنوا – وكثيرا ما يستعمل الظن بمعنى التيقن .

التفسير :

{ 171 – وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم . . . { الآية .

تذكر هذه الآية طرفا من رذائل اليهود ؛ فقد طلبوا من موسى عليه السلام أن يأتيهم بكتاب من عند الله فيه بيان للتشريعات وتوضيح لمعامل الحلال والحرام ، وقد جاءهم موسى بالتوراة مكتوبة في الألواح ، أو بنصائح وتشريعات وآداب ، قال تعالى : { وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها . ( الأعراف : 145 ) .

فلما قرأ عليهم موسى التوراة ، أو لم أخبرهم بالوصايا والتعاليم التي في الألواح ؛ بادروا نبيهم بأن ما فيها لا يتحملونه ؛ لأنه إصر وحمل ثقيل عليهم لا يطيقونه ، وكان هذا منهم عنادا ، فحملهم الله على العمل بما في التوراة ، بأن نتق الجبل فوقهم ورفعه رفعا حقيقيا كأنه ظلة .

قال مجاهد : أخرج الجبل من الأرض ورفع فوقهم كالظلة ، فقيل لهم : لتؤمنن أو ليقعن عليكم .

قال قتادة : نزلوا في أصل حبل مرتفع فوقهم فقال : لتأخذن أمرى ، أو لأرمينكم به50 .

والمعنى : واذكر أيها النبي : إذ رفعنا فوقهم جبل الطور51 وأصبح كأنه سقيفة أو سحابة تظلهم ، لما أبوا أن يتقبلوا التوراة لثقلها .

{ وظنوا أنه واقع بهم } . وعلموا وتيقنوا أن الجبل سيسقط عليهم ، لأن الجبل لا يثبت في الفضاء .

{ خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون } .

أي : قلنا لهم في هذه الحالة المخيفة : خذوا ما أعطيناكم من أحكام الشريعة بجد واجتهاد ، وحزم وعزم على احتمال المشاق والتكاليف .

واذكروا ما فيه من الأوامر والنواهي ، وتدارسوا تعاليم التوراة وأحكامها واعملوا بما فيها حتى لا تنسوها ؛ فإن القوة في أحكام الدين ، والعمل بتشريع الله ، والبعد عن مخالفة الله ؛ يزكى النفوس ويطهرها ، ويحقق لها الهداية والتقوى ، كما أن التهاون في احترام الدين ؛ يغري النفوس باتباع الشهوات .

قال تعالى : { ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها } . ( الشمس 7 - 10 ) .

روى عن ابن عباس وغيره من السلف : أنهم راجعوا موسى في فرائض التوراة وشرائعها ، حتى رفع الله الجبل فوق رءوسهم ، فقال لهم موسى : ألا ترون ما يقول ربي عز وجل ؟ لئن لم تقبلوا التوراة بما فيها ، لأرمينكم بهذا ، فخروا سجدا ، فرقا من أن يسقط عليهم – رواه النسائي52 .

وجاء في ظلال القرآن :

لقد كانوا متقاعسين يومها عن إعطاء الميثاق ، فأعطوه في ظل خارقة هائلة . . . . ولقد أمروا في ظل تلك الخارقة القوية ، أن يأخذوا ميثاقهم بقوة وجدّية ، وأن يتمسكوا في شدة وصرامة ، وأن يظلوا ذاكرين لما فيه ، لعل قلوبهم تخشع وتتقي ، وتظل موصولة بالله لا تنساه53 .