مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{۞وَإِذۡ نَتَقۡنَا ٱلۡجَبَلَ فَوۡقَهُمۡ كَأَنَّهُۥ ظُلَّةٞ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُۥ وَاقِعُۢ بِهِمۡ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (171)

قوله تعالى : { وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم واذكروا ما فيه لعلكم تتقون }

قال أبو عبيدة : أصل النتق قلع الشيء من موضعه ، والرمي به . يقال : نتق ما في الجراب إذا رمى به وصبه . وامرأة ناتق ومنتاق إذا كثر ولدها لأنها ترمي بأولادها رميا فمعنى { نتقنا الجبل } أي قلعناه من أصله وجعلناه فوقهم وقوله : { كأنه ظلة } قال ابن عباس : كأنه سقيفة والظلة كل ما أظلك من سقف بيت أو سحابة أو جناح حائط ، والجمع ظلل وظلال ، وهذه القصة مذكورة في سورة البقرة { وظنوا أنه واقع بهم } قال المفسرون : علموا وأيقنوا . وقال أهل المعاني : قوي في نفوسهم أنه واقع بهم إن خالفوه ، وهذا هو الأظهر في معنى الظن ، ومضى الكلام فيه عند قوله { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم } روي أنهم أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة لغلظها وثقلها ، فرفع الله الطور على رؤوسهم مقدار عسكرهم ، وكان فرسخا في فرسخ ، وقيل لهم : إن قبلتموها بما فيها وإلا ليقعن عليكم ، فلما نظروا إلى الجبل خر كل واحد منهم ساجدا على حاجبه الأيسر ، وهو ينظر بعينه اليمنى خوفا من سقوطه ، فلذلك لا ترى يهوديا يسجد إلا على حاجبه الأيسر وهو ينظر بعينه اليمنى ، ويقولون هي السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة .

ثم قال تعالى : { خذوا ما آتيناكم بقوة } أي وقلنا خذوا ما آتيناكم أو قائلين : خذوا ما آتيناكم من الكتاب بقوة ، وعزم على احتمال مشاقه وتكاليفه { واذكروا ما فيه } من الأوامر والنواهي ، أي واذكروا ما فيه من الثواب والعقاب ، ويجوز أن يراد : خذوا ما آتيناكم من الآية العظيمة بقوة ، إن كنتم تطيقونه كقوله : { إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا } واذكروا ما فيه من الدلالة على القدرة الباهرة لعلكم تتقون ما أنتم عليه .