وقوله تعالى : { أم يقولون افتراه } الآية ، قال الطبري وغيره من المتأولين والمؤلفين في التفسير{[6318]} : إن هذه الآية اعترضت في قصة نوح وهي شأن محمد صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش ، وذلك أنهم قالوا : افترى القرآن وافترى هذه القصة على نوح ، فنزلت الآية في ذلك .
قال القاضي أبو محمد : وهذا لو صح بسند وجب الوقوف عنده ، وإلا فهو يحتمل أن يكون في شأن نوح عليه السلام ، ويبقى اتساق الآية مطرداً ، ويكون الضمير في قوله { افتراه } عائداً إلى العذاب الذي توعدهم به أو على جميع أخباره ، وأوقع الافتراء على العذاب من حيث يقع على الإخبار به . والمعنى : أم يقول هؤلاء الكفرة افترى نوح هذا التوعد بالعذاب وأراد الإرهاب علينا بذلك{[6319]} ؛ ثم يطرد باقي الآية على هذا .
و { أم } هي التي بمعنى بل يقولون ، و «الإجرام » مصدر أجرم يجرم إذا جنى ، يقال : جرم وأجرم بمعنى ، ومن ذلك قول الشاعر :
طريد عشيرة ووهين ذنب*** بما جرمت يدي وجنى لساني{[6320]}
جملة معترضة بين جملة أجزاء القصة وليست من القصة ، ومن جعلها منها فقد أبعد ، وهي تأكيد لنظيرها السابق في أول السورة . ومناسبة هذا الاعتراض أن تفاصيل القصة التي لا يعلمها المخاطبون تفاصيل عجيبة تدعو المنكرين إلى أن يتذكروا إنكارهم ويعيدوا ذكره .
وكون ذلك مطابقاً لما حصل في زمن نوح عليه السلام وشاهدة بكتب بني إسرائيل يدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم لأن علمه بذلك مع أميته وبعد قومه عن أهل الكتاب آية على أنه وحي من الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
فالاستفهام الذي يؤذن به حرف { أم } المختصّ بعطف الاستفهام استفهام إنكاري . وموقع الإنكار بديع لتضمنه الحجّة عليهم .
و { أم } هنا للإضراب للانتقال من غرض لغرض .
وضمير النصب عائد إلى القرآن المفهوم من السياق .
وجملة { قل } مفصولة عن التي قبلها لوقوعها في سياق المحاورة كما تقدم غير مرة .
وأمِرَ النبيءُ صلى الله عليه وسلم أن يعرض عن مجادلتهم بالدليل لأنهم ليسوا بأهل لذلك إذ قد أقيمت عليهم الحجة غير مرة فلم تغن فيهم شيئاً ، فلذلك أجيبوا بأنه لو فرض ذلك لكانت تبعة افترائه على نفسه لا ينالهم منها شيء .
وتقديم ( عليّ ) مؤذن بالقصر ، أي إجرامي عليّ لا عَليكم فلماذا تكثرون ادّعاء الافتراء كأنكم ستؤاخَذُون بتبعته . وهذا جار على طريقة الاستدراج لهم والكلام المنصف .
ومعنى جعل الافتراء فعلاً للشرط : أنه إن كان وقع الافتراء كقوله : { إن كنت قلته فقد علِمْته } [ المائدة : 116 ] .
ولما كان الافتراء على الله إجراماً عدل في الجواب عن التعبير بالافتراء مع أنهُ المدعى إلى التعبير بالإجرام فلا حاجة إلى تقدير : فعليّ إجرام افترائي .
وذكر حرف ( على ) مع الإجرام مؤذن بأن الإجرام مؤاخذ به كما تَقتضيه مادة الإجرام .
والإجرام : اكتساب الجرم وهو الذنب ، فهو يقتضي المؤاخذة لا محالة .
وجملة { وأنا بريء مما تجرمون } معطوفة على جملة الشرط والجزاء ، فهي ابتدائية . وظاهرها أنها تذييل للكلام وتأييده بمقابله ، أي فإجرامِي عليّ لا عليكم كما أن إجرامكم لا تنالني منه تَبعة . ولا حاجة إلى تقدير المضاف في قوله : { مما تجرمون } أي تبعته وإنما هو تقدير معنى لا تقدير إعراب ، والشيءُ يؤكد بضدّه كقوله : { لاَ أعبد ما تَبعدُون ولا أنتم عابدون ما أعبد } [ الكافرون : 2 ، 3 ] .
وفي هذه الجملة توجيه بديع وهو إفادة تبرئة نفسه من أن يفتريَ القرآن فإنّ افتراء القرآن دعوى باطلة ادعَوها عليه فهي إجرام منهم عليه ، فيكون المعنى وأنا بريء من قولكم الذي تجرمونه عليّ باطلاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.