تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَعَلَيَّ إِجۡرَامِي وَأَنَا۠ بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُجۡرِمُونَ} (35)

وقوله تعالى : ( أم يقولون ) أي بل يقولون ( افتراه ) من عند نفسه ( قُلْ إِنْ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ ) اختلف فيه :

قال بعضهم : قال قوم نوح [ عن نوح ][ في الأصل وم : لنوح ] عليه السلام إنه افترى على الله أنه رسول إليهم من الله على ما سبق من دعائه قومه إلى دين الله ، فقالوا : إنه ( افتراه ) .

وقال بعضهم : هو قول قوم محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : افترى محمد هذا القرآن من نفسه ، ليس هو من الله على ما يزعم ؛ وهو ما قال في صدر السورة ، وهو قوله : ( أم يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات ) إلى آخر ما ذكر [ الآية : 13 ] .

فعلى ذلك هذا هو قولهم [ عن رسول ][ في الأصل وم : لرسول ] الله صلى الله عليه وسلم إنه افترى هذا القرآن الذي يقول : هو من الله ، من نفسه ، فقال : ( إِنْ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ ) أي ( إن افتريته فعلي ) جرم افترائي وجزاؤه .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( وأنا بريء مما تجرمون ) معناه ، والله أعلم ، أي لا تؤاخذوني أنتم بجرم افتري إن افتريته ، وأنا لا أُآخَذ بإجرامكم كقوله : ( فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم )[ النور : 54 ] وكقوله : ( ما عليك من حسابهم من شيء )[ الأنعام : 52 ] فعلى ذلك إجرامي .

وأمكن أن يكون هذا القول لهم لما من إيمانهم كقوله : ( لا حجة بيننا وبينكم )[ الشورى : 15 ] لما أيس من إيمانهم ، وانقطع طمعه ورجاؤه عن إسلامهم قال لهم ذلك : أن لا محاجة بيننا وبينكم بعد هذا ، والله أعلم .