اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَعَلَيَّ إِجۡرَامِي وَأَنَا۠ بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُجۡرِمُونَ} (35)

قوله : { أَمْ يَقُولُونَ افتراه } اختلقه ، وافتعله ، يعني نوحاً - عليه الصلاة السلام - قاله ابن عباس - رضي الله عنهما{[18771]} - .

[ وقال مقاتلٌ - رضي الله عنه - : يعني محمَّداً صلوات الله البر الرحيم وسلامه عليه{[18772]} ]{[18773]} والهاء ترجع إلى الوحي الذي بلغه إليهم .

{ قُلْ إِنِ افتريته فَعَلَيَّ إِجْرَامِي } أي : إثْمِي ووبال جرمي ، والإجرامُ : كسب الذَّنب ، وهذا من باب حذف المضاف ؛ لأنَّ المعنى : فعليَّ عقاب إجْرامي ، وفي الآية محذوفٌ آخر ، وهو أنَّ المعنى : إن كنتُ افتريتُه فعليَّ عقاب جرمي ، وإن كنتُ صادقاً وكذَّبْتُمونِي فعليكم عقاب ذلك التكذيب ، إلاَّ أنَّه حذف هذه البقية لدلالة الكلام عليه .

قوله : " فَعَلَيَّ إجْرَامِي " : مبتدأٌ وخبرٌ ، أو فعلٌ وفاعلٌ .

والجمهورُ على كسر همزة " إجْرَامِي " ، وهو مصدر أجْرَمَ ، وأجْرمَ هو الفاشي ، ويجوزُ " جَرَمَ " ثلاثياً وأنشدوا : [ الوافر ]

طَرِيدُ عَشيرةٍ ورَهِينُ ذَنْبٍ *** بِمَا جَرَمَتْ يَدِي وجَنَى لِسَانِي{[18774]}

وقرئ{[18775]} في الشاذّ " أجْرَامِي " بفتحها ، حكاهُ النَّحَّاس ، وخرَّجه على أنَّه جمعُ " جُرْم " كقفل وأقْفَال ، واعلم أنَّ قوله { قُلْ إِنِ افتريته فَعَلَيَّ إِجْرَامِي } لا يدلُّ على أنَّهُ كان شاكّاً ، إلاَّ أنَّهُ قولٌ يقال على وجهِ الإنكارِ عند اليأس من القبولِ .


[18771]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/381).
[18772]:ينظر: المصدر السابق.
[18773]:سقط في أ.
[18774]:البيت للهيردان. ينظر: اللسان (جرم) ومجاز القرآن 1/288 وروح المعاني 12/48 والقرطبي 9/21 والدر المصون 4/97 وتفسير الطبري 21/18 تاج العروس [جرم].
[18775]:ينظر: البحر المحيط 5/220، والدر المصون 4/97.