المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِيرٖ فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ أَوۡ فِسۡقًا أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (145)

145- قل - أيها النبي - : لا أجد الآن في مصدر التحليل والتحريم الذي أوحى به إلىَّ طعاماً محرماً على آكل يأكله ، إلا أن يكون هذا الشيء ميتة لم تذَكَّ ذكاة شرعية ، أو دماً سائلا ، أو لحم خنزير ، فإن ذلك المذكور ضارٌّ خبيث لا يجوز أكله أو أن يكون هذا الشيء المحرم فيه خروج من العقيدة الصحيحة ، بأن ذكر عند ذبحه اسم غير الله ، كصنم معبود آخر . على أن من دعته الضرورة إلى أكل شيء من هذه المحرمات غير طالب اللذة بالأكل ، وغير متجاوز قدر الضرورة ، فلا حرج عليه لأن ربك غفور رحيم{[65]} .


[65]:انظر التعليق على تفسير الآية الثالثة من سورة المائدة. وفي الآية الكريمة نص على علة تحريم أكل لحم الخنزير بأنه رجس، والرجس هو النجس، وقد جاء في القاموس المحيط: أن الرجس هو القذر والمأثم وكل ما استقذر من العمل، والعمل المؤدي إلى العذاب. فالرجس إذن كلمة جامعة لمعاني القبح والقذر والعذر وهي تلصق بالخنزير حتى عند الشعوب التي تأكله والخنزير حيوان قارت أو رمام أي أنه يأكل ما يجده في القمامة والنفايات وفضول الإنسان والحيوان، وهذا هو السبب الرئيسي في قيامه بدوره في انتقال بعض الأمراض الوبيلة للإنسان على نحو ما هو مفصل في التعليق السابق المشار إليه.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِيرٖ فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ أَوۡ فِسۡقًا أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (145)

ثم بين أن التحريم والتحليل يكون بالوحي والتنزيل ، فقال : { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما } . أي شيء محرما ، وروي أنهم قالوا : فما المحرم إذاً فنزل : { قل } يا محمد { لا أجد في ما أوحي إلي محرما } .

قوله تعالى : { على طاعم يطعمه } ، آكل يأكله .

قوله تعالى : { إلا أن يكون ميتةً } ، قرأ ابن عامر وأبو جعفر { تكون } بالتاء ، { ميتة } رفع أي : إلا أن تقع ميتة ، وقرأ ابن كثير وحمزة { تكون } بالتاء ، { ميتة } نصب على تقدير اسم مؤنث ، أي : إلا أن تكون النفس ، أو : الجثة ميتة ، وقرأ الباقون { يكون } بالياء { ميتة } نصب ، يعني إلا أن يكون المطعوم ميتة .

قوله تعالى : { أو دماً مسفوحاً } ، أي : مهراقاً سائلاً ، قال ابن عباس : يريد ما خرج من الحيوان ، وهن أحياء ، وما يخرج من الأوداج عند الذبح ، ولا يدخل فيه الكبد والطحال ، لأنهما جامدان ، وقد جاء الشرع بإباحتهما ، ولا ما اختلط باللحم من الدم ، لأنه غير سائل . قال عمران بن جرير : سألت أبا مجلز عما يختلط باللحم من الدم ، وعن القدر يرى فيهما حمرة الدم ، فقال : لا بأس به ، إنما نهى عن الدم المسفوح . وقال إبراهيم : لا بأس بالدم في عرق أو مخ ، إلا المسفوح الذي تعمد ذلك . وقال عكرمة : لولا هذه الآية لاتبع المسلمون من العروق ما يتبع اليهود .

قوله تعالى : { أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به } . وهو ما ذبح على غير اسم الله تعالى ، فذهب بعض أهل العلم إلى أن التحريم مقصور على هذه الأشياء ، يروى ذلك عن عائشة وابن عباس قالوا : ويدخل في الميتة المنخنقة والموقوذة ، وما ذكر في أول سورة المائدة .

وأكثر العلماء على أن التحريم لا يختص بهذه الأشياء ، بل المحرم بنص الكتاب ما ذكر هنا ، وذلك معنى قوله تعالى : { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما } ، وقد حرمت السنة أشياء يجب القول بها . منها : ما أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، ثنا عبد الغافر بن محمد ، ثنا محمد بن عيسى الجلودي ، ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، ثنا مسلم بن الحجاج قال : ثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ، أخبرنا أبي ، أنا شعبة عن الحكم ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، ثنا زاهر بن أحمد ، ثنا أبو إسحاق الهاشمي ، ثنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن إسماعيل بن أبي حكيم ، عن عبيدة بن سفيان الحضرمي ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أكل كل ذي ناب من السباع حرام ) .

والأصل عند الشافعي : أن ما لم يرد فيه نص تحريم أو تحليل ، فإن كان مما أمر الشرع بقتله كما قال : ( خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم ) ، أو نهى عن قتله ، كما روي أنه ( نهى عن قطع النخلة ، وقتل النملة فهو حرام ) وما سوى ذلك فالمرجع فيه إلى الأغلب من عادات العرب ، فما يأكله الأغلب منهم فهو حلال ، وما لا يأكله الأغلب منهم فهو حرام ، لأن الله تعالى خاطبهم بقوله : { قل أحل لكم الطيبات } فثبت أن ما استطابوه فهو حلال .

قوله تعالى : { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم } ، أباح الله كل هذه المحرمات عند الاضطرار في غير العدوان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِيرٖ فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ أَوۡ فِسۡقًا أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (145)

{ قل لا أجد فيما أوحي إلي } أي في القرآن ، أو فيما أوحي إلي مطلقا ، وفيه تنبيه على أن التحريم إنما يعلم بالوحي لا بالهوى . { محرما } طعاما محرما . { على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة } أن يكون الطعام ميتة ، وقرأ ابن كثير وحمزة تكون بالتاء لتأنيث الخبر ، وقرأ ابن عامر بالياء ، ورفع ال{ ميتة } على أن كان هي التامة وقوله : { أو دما مسفوحا } عطف على أن مع ما في حيزه أي : إلا وجود ميتة أو دم مسفوحا ، أي مصبوبا كالدم في العروق لا كالكبد والطحال . { أو لحم خنزير فإنه رجس } فإن الخنزير أو لحمه قذر لتعدوه أكل النجاسة أو خبيث محنث { أو فسقا } عطف على لحم خنزير . وما بينهما اعتراض للتعليل . { أهل لغير الله به } صفة له موضحة وإنما سمي ما ذبح على اسم الصنم فسقا لتوغله في الفسق ، ويجوز أن يكون فسقا مفعولا له من أهل وهو عطف على يكون والمستكن فيه راجع إلى ما رجع إليه المستكن في يكون . { فمن اضطر } فمن دعته الضرورة إلى تناول شيء من ذلك { غير باغ } على مضطر مثله . { ولا عاد } قدر الضرورة { فإن ربك غفور رحيم } لا يؤاخذه ، والآية محكمة لأنها تدل على أنه لم يجد فيما أوحي إلى تلك الغاية محرما غير هذه ، وذلك لا ينافي ورود التحريم في شيء أخر فلا يصح الاستدلال بها على نسخ الكتاب بخبر الواحد ولا على حل الأشياء غيرها إلا مع الاستصحاب .