المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَحۡسَنُ أَثَٰثٗا وَرِءۡيٗا} (74)

74- وكان علي هؤلاء الكافرين أن يتعظوا بمَنْ سبقهم من أمم كثيرة كفرت بالله وكانوا أحسن منهم حظاً في الدنيا ، وأكثر متاعاً وأبهى منظراً ، فأهلكهم الله بكفرهم - وهم كثيرون - وفي آثارهم عبر لكل معتبر .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَحۡسَنُ أَثَٰثٗا وَرِءۡيٗا} (74)

فأجابهم الله تعالى فقال : { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً } أي : متاعاً وأموالاً . وقال مقاتل : لباساً وثياباً ، ( رؤيا ) ، قرأ أكثر القراء بالهمز ، أي : منظراً ، من الرؤية ، وقرأ ابن عامر ، و أبو جعفر ، ونافع غير ورش : ريا مشدداً بغير همز ، وله تفسيران : أحدهما هو الأول ، بطرح الهمز ، والثاني : من الري : الذي هو ضد العطش ، ومعناه : الارتواء من النعمة ، فإن المتنعم يظهر فيه ارتواء النعمة ، والفقير يظهر عليه ذبول الفقر .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَحۡسَنُ أَثَٰثٗا وَرِءۡيٗا} (74)

73

أي : وكم من أمة وقرن من المكذبين قد أهلكناهم بكفرهم ، { هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا } أي : كانوا أحسن من هؤلاء أموالا وأمتعة ومناظر وأشكالا .

[ و ]{[19088]} قال الأعمش ، عن أبي ظَبْيَان ، عن ابن عباس : { خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } قال : المقام : المنزل ، والندي : المجلس ، والأثاث : المتاع ، والرئي : المنظر .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : المقام : المسكن ، والندي : المجلس والنعمة والبهجة التي كانوا فيها ، وهو كما قال الله لقوم فرعون حين{[19089]} أهلكهم وقص شأنهم في القرآن : { كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ{[19090]} وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } [ الدخان : 25 ، 26 ] ، فالمقام : المسكن والنعيم ، والندي : المجلس والمجمع الذي كانوا يجتمعون فيه ، وقال [ الله ]{[19091]} فيما قص على رسوله من أمر قوم لوط{[19092]} : { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ } [ العنكبوت : 29 ] ، والعرب تسمي المجلس : النادي .

وقال قتادة : لما رأوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في عيشهم خشونة ، وفيهم قشافة ، تَعَرّض{[19093]} أهل الشرك بما تسمعون{[19094]} : { أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } وكذا قال مجاهد ، والضحاك .

ومنهم من قال في الأثاث : هو المال . ومنهم من قال : المتاع . ومنهم من قال : الثياب ، والرئي : المنظر كما قال ابن عباس ، ومجاهد وغير واحد .

وقال الحسن البصري : يعني الصور ، وكذا قال مالك : { أَثَاثًا وَرِئْيًا } : أكثر أموالا وأحسن صورًا . والكل متقارب صحيح .


[19088]:زيادة من ت.
[19089]:في ت: "حتى".
[19090]:في ت، ف، أ: "وكنوز".
[19091]:زيادة من ت، ف.
[19092]:في أ: "لوط إذ قال".
[19093]:في ت: "وفيهم".
[19094]:في ت، ف، أ: "يسمعون"
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَحۡسَنُ أَثَٰثٗا وَرِءۡيٗا} (74)

وقوله { وكم } مخاطبة من الله تعالى لمحمد خبر يتضمن كسر حجتهم واحتقار أمرهم لأن التقدير : هذا الذي افتخروا به لا قدر له عند الله وليس بمنج لهم فكم أهلك الله من الأمم لما كفروا وهو أشد من هؤلاء وأكثر أموالاً وأجمل منظراً . و «القرن » الأمة يجمعها العصر الواحد ، واختلف الناس في قدر المدة التي اذا اجتمعت لأمة سميت تلك الامة قرناً ، فقيل مائة سنة ، وقيل ثمانون ، وقيل سبعون ، وقد تقدم القول في هذا غير مرة ، و «الأثاث » المال العين والعرض والحيوان وهو اسم عام واختلف هل هو جمع أو إفراد . فقال الفراء : هو اسم جمع لا واحد له من لفظه كالمتاع ، وقال خلف الأحمر : هو جمع واحدة أثاثة كحمامة وحمام ومنه قول الشاعر : [ الوافر ]

أشاقتك الظعائن يوم بانوا . . . بذي الزي الجميل من الأثاث{[8023]}

وأنشد أبو العباس : [ الوافر ]

لقد علمت عرينة حيث كانت . . . بأنا نحن أكثرهم أثاثاً{[8024]}

وقرأ نافع بخلاف وأهل المدينة «وريّاً » بياء مشددة ، وقرأ ابن عباس فيما روي عنه وطلحة «وريا » بياء مخففة ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي «ورءياً » بهمزة بعدها ياء على وزن رعياً ، ورويت عن نافع وابن عامر رواها أشهب عن نافع وقرأ أبو بكر عن عاصم «وريئاً » بياء ساكنة بعدها همزة وهو على القلب وزنه فلعاً وكأنه من راع وقال الشاعر : [ الطويل ]

وكل خليل راءني فهو قائل . . . من اجلك هذا هامة اليوم أو غد{[8025]}

فأما القراءتان المهموزتان فهما من رؤية العين الرئي اسم المرئي والظاهر للعين كالطحن والسقي ، قال ابن عباس الرئي المنظر قال الحسن «ورياً » معناه صوراً وأما المشددة الياء فقيل هي بمعنى المهموزة إلا أن الهمزة خففت لتستوي رؤوس الآي ، وذكر منذر بن سعيد عن بعض أهل العلم أنه من «الري » في السقي كأنه أراد أنهم خير منهم بلاداً وأطيب أرضاً وأكثر نعماً إذ جملة النعم إنما هي من الري والمطر ، وأما القراءة المخففة الياء فضعيفة الوجه ، وقد قيل هي لحن ، وقرأ سعيد بن جبير ويزيد البربري وابن عباس أيضاً «وزياً » بالزاي وهو بمعنى الملبس وهيئته تقول زييت بمعنى زينت{[8026]} .


[8023]:البيت لمحمد بن نمير الثقفي، وأنشده أبو عبيدة، وهو في ، القرطبي والطبري، واللسان، والكامل، وقد قاله الشاعر من أبيات يشبب فيها بزينب أخت الحجاج بن يوسف الثقفي، فتوعده فهرب منه، والقصة في الكامل للمبرد، والظعائن: جمع ظعينة، وهي الزوجة في الهودج عند الرحيل، وبانوا: سافروا وابتعدوا، والرئي: المنظر، وهو ما رأته العين من حال حسنة وكسوة ظاهرة، هذا إذا كانت الكلمة مهموزة، قال الفراء في الآية: "أهل المدينة يقرؤونها: [ريا] بغير همز، قال: وهو وجه جيد من رأيت". والبيت هنا شاهد على أن الأثاث هو المتاع وما كان من مال، وقيل: هو كثرة المال، أو هو المال كله: الإبل والغنم والعبيد والمتاع.
[8024]:عرينة حي من اليمن، وعرين حي من تميم، ولهم يقول جرير: عرين من عرينة ليس منـــــــــــــا برئت إلى عرينــــــــــــــة من عرين والأثاث في الأصل: الكثرة والعظم من كل شيء، وهو هنا الكثير من المال، بل قيل: هو المال كله، وما كان من لباس وحشو للفراش فاسمه المتاع، وواحدته أثاثه. يفخر الشاعر على عرينة في كل مكان بأنهم أكثر منهم مالا ومتاعا.
[8025]:البيت لكثير، وهو في اللسان (رأى) و (هو)، قال: "ويقال: راءه في رآه، قال كثير: وكل خليل ... البيت" فهو شاهد على أن راء لغة في رأى، ووزنه فلع، ومثله في ذلك قول قيس بن الخطيم: فليت سويدا راء من فر منهــــــم ومن جر إذ يحدونهم بالركائب وفي التهذيب: "ومن قلب الهمزة من رأى قال: راء، كقولك: نأى وناء". والهامة أعلى الرأس، وفيه الناصية والقصة، وفيه المفرق، وكانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لم يؤخذ بثأره تصير هامة فتزقو عند قبره، تقول: اسقوني اسقوني، ويقال: هذا هامة اليوم أو غد، أي يموت اليوم أو غدا. فهو قد صار عليلا بسبب حبها حتى يحسب الرائي أنه سيموت قريبا.
[8026]:وقيل: يجوز أن يكون من زويت بمعنى جمعت، فيكون أصلها: زويا، فقلبت الواو ياء، قال صلى الله عليه وسلم: زويت لي الأرض، أي جمعت، وقال الأعشى: يزيد يغض الطرف دوني كأنمــــــــا زوى بين عينيه علي المحاجم
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَحۡسَنُ أَثَٰثٗا وَرِءۡيٗا} (74)

جملة { وكم أهلكنا قبلهم من قرن } خطاب من الله لرسوله . وقد أهلك الله أهل قرون كثيرة كانوا أرفه من مشركي العرب متاعاً وأجمل منهم منظراً . فهذه الجملة معترضة بين حكاية قولهم وبين تلقين النبي صلى الله عليه وسلم ما يجيبهم به عن قولهم ، وموقعها التهديد وما بعدها هو الجواب .

والأثاث : متاع البيوت الذي يُتزين به ، و { رئياً } قرأه الجمهور بهمزة بعد الراء وبعد الهمزة ياء على وزن فِعْل بمعنى مفعول كذبِح ، من الرؤية ، أي أحسن مَرِئيّاً ، أي منظراً وهيئة .

وقرأه قالون عن نافع وابن ذكوان عن ابن عامر « رِيّاً » بتشديد الياء بلا همزة إما على أنّه من قلب الهمزة ياء وإدغامها في الياء الأخرى ، وإما على أنّه من الرِيّ الذي هو النعمة والترفه ، من قولهم : ريّان من النّعيم . وأصله من الريّ ضد العطش ، لأنّ الريّ يستعار للتنعم كما يستعار التلهّف للتألّم .