قوله تعالى : { أو لم يكن لهم آية } قرأ ابن عامر : تكن بالتاء آية بالرفع ، جعل الآية اسماً وخبره : { أن يعلمه } وقرأ الآخرون بالياء ، آية نصب ، جعلوا الآية خبر يكن ، معناه : أولم يكن لهؤلاء المنكرين علم بني إسرائيل آية ، أي : علامة ودلالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن العلماء الذين كانوا من بني إسرائيل ، كانوا يخبرون يوجود ذكره في كتبهم ، وهم : عبد الله بن سلام وأصحابه . قال ابن عباس : بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة فسألوهم عن محمد صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إن هذا لزمانه ، وإنا نجد في التوراة نعته وصفته ، فكان ذلك آية على صدقه . قوله تعالى : { أن يعلمه } يعني : يعلم محمد صلى الله عليه وسلم ، { علماء بني إسرائيل } قال عطية : كانوا خمسة عبد الله بن سلام ، وابن يامين ، وثعلبة ، وأسد ، وأسيد .
ثم قال تعالى : { أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ } أي : أو ليس يكفيهم من الشاهد الصادق على ذلك : أن العلماء من بني إسرائيل يجدون ذكر هذا القرآن في كتبهم التي يدرسونها ؟ والمراد : العدول منهم ، الذين يعترفون بما في أيديهم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه وأمته ، كما أخبر بذلك مَنْ آمن منهم كعبد الله بن سلام ، وسلمان الفارسي ، عَمَّنْ أدركه منهم ومَنْ شاكلهم . وقال الله تعالى : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ } الآية [ الأعراف : 157 ] .
{ أو لم يكن لهم آية } على صحة القرآن أو نبوة محمد صلى الله عليه وسلم . { أن يعلمه علماء بني إسرائيل } أن يعرفوه بنعته المذكور في كتبهم وهو تقرير لكونه دليلا . وقرأ ابن عامر تكن بالتاء و { آية } بالرفع على أنها الأسم والخبر { لهم } { وأن يعلمه } بدل أو الفاعل و{ أن يعلمه } بدل { وهم } حال ، أو أن الاسم ضمير القصة و{ آية } خبر { أن يعلمه } والجملة خبر تكن .
وقوله : { أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل } تنويه ثالث بالقرآن وحجة على التنويه الثاني به الذي هو شهادة كتب الأنبياء له بالصدق ، بأن علماء بني إسرائيل يعلمون ما في القرآن مما يختص بعلمهم ، فباعتبار كون هذه الجملة تنويهاً آخر بالقرآن عطفت على الجملة التي قبلها ولولا ذلك لكان مقتضى كونها حجة على صدق القرآن أن لا تعطف .
وفعل : { يعلمه } شامل للعلم بصفة القرآن ، أي تحقق صدق الصفات الموصوف بها من جاء به ، وشامل للعلم بما يتضمنه ما في كتبهم .
وضمير { أن يعلمه } عائد إلى القرآن على تقدير : أن يعلم ذكره . ويجوز أن يعود على الحكم المذكور في قوله : { وإنه لفي زبر الأولين } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{أو لم يكن} محمد صلى الله عليه وسلم {لهم آية} يعني: لكفار مكة {أن يعلمه علماء بني إسرائيل} يعنى ابن سلام وأصحابه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"أوَ لمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إسْرائِيلَ" يقول تعالى ذكره: أو لم يكن لهؤلاء المعرضين عما يأتيك يا محمد من ذكر ربك، دِلالةٌ على أنك رسول ربّ العالمين، أن يعلم حقيقة ذلك وصحته علماء بني إسرائيل. وقيل: عني بعلماء بني إسرائيل في هذا الموضع: عبد الله بن سلام ومن أشبهه ممن كان قد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل في عصره.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
الآية تكون على وجهين: أحدهما: ما ذكر أن أهل مكة، أرسلوا إلى اليهود بالمدينة يسألونهم عن رسول الله، فأخبروهم عنه أنه، يخرج في وقت كذا، وهذا وقت خروجه. والثاني: يقول: أولم يكفهم آية إسلام علماء بني إسرائيل وفقهائهم أنه رسول نحو ابن سلام وغيره؛ إذ كانوا لا يسلمون إلا عن علم وثبت أنه رسول، إذ كان في إسلامهم ذهاب مملكتهم ورئاستهم، والله أعلم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"أولم يكن لهم آية" أي دلالة في علم بني إسرائيل واضحة على صحة أمره. ومن حيث أن مجيئه على ما تقدمت البشارة به بجميع أوصافه لا يكون إلا من جهة علام الغيوب.
المراد منه ذكر الحجة الثانية على نبوته عليه السلام وصدقه، وتقريره أن جماعة من علماء بني إسرائيل أسلموا ونصوا على مواضع في التوراة والإنجيل ذكر فيها الرسول عليه الصلاة والسلام بصفته ونعته، وقد كان مشركو قريش يذهبون إلى اليهود ويتعرفون منهم هذا الخبر، وهذا يدل دلالة ظاهرة على نبوته لأن تطابق الكتب الإلهية على نعته ووصفه يدل قطعا على نبوته، واعلم أنه قرئ {يكن} بالتذكير، وآية النصب على أنها خبره و (أن يعلمه) هو الاسم..
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
{وعلماء بني إسرائيل}: عبد الله بن سلام ونحوه، قاله ابن عباس ومجاهد، وذلك أن جماعة منهم أسلموا ونصوا على مواضع من التوراة والإنجيل ذكر فيها الرسول عليه السلام، قال تعالى: {وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا} الآية. وقيل: علماؤهم من أسلم منهم ومن لم يسلم. وقيل: أنبياؤهم، حيث نبهوا عليه وأخبروا بصفته وزمانه ومكانه.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: أو ليس يكفيهم من الشاهد الصادق على ذلك: أن العلماء من بني إسرائيل يجدون ذكر هذا القرآن في كتبهم التي يدرسونها؟ والمراد: العدول منهم، الذين يعترفون بما في أيديهم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه وأمته.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 196]
وينتقل من هذا الدليل الذاتي إلى دليل آخر خارجي: (وإنه لفي زبر الأولين. أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل).. فقد وردت صفة الرسول الذي ينزل عليه القرآن، كما وردت أصول العقيدة التي جاء بها في كتب الأولين. ومن ثم كان علماء بني إسرائيل يتوقعون هذه الرسالة، وينتظرون هذا الرسول، ويحسون أن زمانه قد أظلهم؛ ويحدث بعضهم بعضا بهذا كما ورد على لسان سلمان الفارسي، ولسان عبد الله بن سلام -رضي الله عنهما- والأخبار في هذا ثابتة كذلك بيقين.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تنويه ثالث بالقرآن وحجة على التنويه الثاني به الذي هو شهادة كتب الأنبياء له بالصدق، بأن علماء بني إسرائيل يعلمون ما في القرآن مما يختص بعلمهم..وفعل: {يعلمه} شامل للعلم بصفة القرآن، أي تحقق صدق الصفات الموصوف بها من جاء به، وشامل للعلم بما يتضمنه ما في كتبهم. وضمير {أن يعلمه} عائد إلى القرآن على تقدير: أن يعلم ذكره. ويجوز أن يعود على الحكم المذكور في قوله: {وإنه لفي زبر الأولين}.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
الذين كانوا يتحدثون عن النبي وعن كتابه ودينه، وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا، ما يدلّ على أنه يرتكز على أساس الحقيقة الدينية المتوارثة عند أهل الكتاب الذين يملكون الاحترام لدى المشركين في معرفتهم بالمسألة الدينية باعتبارها من اختصاصاتهم في نظر الجميع.