المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ} (4)

4- من ذلك القصص - أيها النبي - قصة يوسف{[99]} ، إذ قال لأبيه : يا أبت ، إني رأيت في منامي أحد عشر كوكباً ، والشمس والقمر ، رأيتهم جميعاً خاضعين لي ساجدين أمامي .


[99]:يوسف ـ عليه السلام ـ هو ولد يعقوب العبراني الكنعاني وقد بيع في مصر في عهد الغزاة الأجانب الذين يسمون بالهكسوس وهم فيما يبدو ساميون قدموا إلى مصر من بلاد الشام حيث احتلوا دلتا النيل حوالي عام 1730 ق. م. قبل نهاية الأسرة الثالثة عشرة وحكموا مصر حوالي قرن ونصف قرن من الزمان حيث طردوا حوالي عام 1580 ق. م. على يد أحمس الأول مؤسس الأسرة الثامنة عشرة إلى ما وراء الحدود المصرية.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ} (4)

قوله تعالى : { إذ قال يوسف لأبيه } ، أي : أذكر إذ قال يوسف لأبيه ، ويوسف اسم عبري ، ولذلك لا يجري عليه الصرف وقيل هو عربي . سئل أبو الحسن الأقطع عن يوسف ؟ فقال : الأسف في اللغة : الحزن ، والأسيف : العبد ، واجتمعا في يوسف عليه السلام فسمي به .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل قال عبد الله بن محمد ، ثنا عبد الصمد ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم " .

قوله تعالى : { يا أبت } ، قرأ أبو جعفر وابن عامر { يا أبت } بفتح التاء في جميع القرآن على تقدير : يا أبتاه . والوجه أن أصله يا أبتا بالألف . وهي بدل عن ياء الإضافة ، فحذفت الألف كما تحذف التاء . فبقيت الفتحة تدل على الألف كما تبقى الكسرة تدل على الياء عند حذف الياء ، وقرأ ألآخرون : يا أبت بكسر التاء في كل القرآن والوجه أن أصله يا أبتي . فحذف الياء تخفيفا واكتفاء بالكسرة . لأن باب النداء حذف ، يدل على ذلك قوله { يا عباد فاتقون } . وقرأ الآخرون : يا أبت بكسر التاء ، لأن أصله : يا أبت ، والجزم يحرك إلى الكسر .

قوله تعالى :{ إني رأيت أحد عشر كوكباً } ، أي نجما من نجوم السماء ، ونصب الكواكب على التفسير . { والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين } ولم يقل رأيتها إلي ساجدة ، والهاء والميم والياء والنون من كنايات من يعقل ، لأنه لما أخبر عنها بفعل من يعقل عبر عنها بكناية من يعقل كقوله تعالى : { يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم } [ النمل-18 ] . وكان النجوم في التأويل أخواته ، وكانوا أحد عشر رجلا ، يستضاء بهم كما يستضاء بالنجوم ، والشمس أبوه ، والقمر أمه . قاله قتادة . وقال السدي : القمر خالته ، لأن أمه راحيل كانت قد ماتت . وقال ابن جريج : القمر أبوه والشمس أمه لأن الشمس مؤنثة والقمر مذكر . وكان يوسف عليه السلام ابن اثنتي عشرة سنة حين رأى هذه الرؤيا . وقيل : رآها ليلة الجمعة ليلة القدر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ} (4)

هذه المقدمة إشارة البدء إلى القصة . .

ثم يرفع الستار عن المشهد الأول في الحلقة الأولى ، لنرى يوسف الصبي يقص رؤياه على أبيه :

( إذ قال يوسف لأبيه : يا أبت ، إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر . رأيتهم لي ساجدين . قال : يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك ، فيكيدوا لك كيدا . إن الشيطان للإنسان عدو مبين . وكذلكيجتبيك ربك ، ويعلمك من تأويل الأحاديث ، ويتم نعمته عليك ، وعلى آل يعقوب ، كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق ، إن ربك عليم حكيم ) . .

كان يوسف صبيا أو غلاما ؛ وهذه الرؤيا كما وصفها لأبيه ليست من رؤى الصبية ولا الغلمان ؛ وأقرب ما يراه غلام - حين تكون رؤياه صبيانية أو صدى لما يحلم به - أن يرى هذه الكواكب والشمس والقمر في حجره أو بين يديه يطولها . ولكن يوسف رآها ساجدة له ، متمثلة في صورة العقلاء الذين يحنون رؤوسهم بالسجود تعظيما . والسياق يروى عنه في صيغة الإيضاح المؤكدة :

( إذ قال يوسف لأبيه : يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ) . .

ثم يعيد لفظ رأى :

( رأيتهم لي ساجدين ) .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ} (4)

العامل في { إذ } فعل مضمر تقديره : اذكر { إذ } ويصح أن يعمل فيه { نقص } [ يوسف : 3 ] كأن المعنى : نقص عليك الحال { إذ }{[6556]} وحكى مكي أن العامل فيه { لمن الغافلين } [ يوسف : 3 ] ، وهذا ضعيف .

وقرأ طلحة بن مصرف «يؤسَف » بالهمز وفتح السين - وفيه ست لغات : «يُوسُف » بضم الياء وسكون الواو وبفتح السين وبضمها وبكسرها وكذلك بالهمز . وقرأ الجمهور «يا أبتِ » بكسر التاء حذفت الياء من أبي وجعلت التاء بدلاً منها ، قاله سيبويه ، وقرأ ابن عامر وحده{[6557]} وأبو جعفر والأعرج : «يا أبتَ » بفتحها ، وكان ابن كثير وابن عامر يقفان بالهاء ؛ فأما قراءة ابن عامر بفتح التاء فلها وجهان : إما أن يكون : «يا أبتا » ، ثم حذفت الألف تخفيفاً وبقيت الفتحة دالة على الألف ، وإما أن يكون جارياً مجرى قولهم : يا طلحة أقبل ، رخموه ثم ردوا العلامة ولم يعتد بها بعد الترخيم ، وهذا كقولهم : اجتمعت اليمامة ثم قالوا : اجتمعت أهل اليمامة ، فردوا لفظة الأهل ولم يعتدوا بها ، وقرأ أبو جعفر والحسن وطلحة بن سليمان : «أحد عْشر كوكباً » بسكون العين لتوالي الحركات ، ويظهر أن الاسمين قد جعلا واحداً .

وقيل : إنه قد رأى كواكب حقيقة والشمس والقمر فتأولها يعقوب إخوته وأبويه ، وهذا قول الجمهور ، وقيل : الإخوة والأب والخالة لأن أمه كانت ميتة ، وقيل إنما كان رأى إخوته وأبويه فعبر عنهم بالكواكب والشمس والقمر ، وهذا ضعيف ترجم به الطبري ، ثم أدخل عن قتادة والضحاك وغيرهما كلاماً محتملاً أن يكون كما ترجم وأن يكون مثل قول الناس ، وقال المفسرون : { القمر } تأويله : الأب ، و { الشمس } تأويلها : الأم ، فانتزع بعض الناس من تقديمها وجوب بر الأم وزيادته على بر الأب ، وحكى الطبري عن جابر بن عبد الله أن يهودياً يسمى بستانة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أخبرني عن أسماء الكواكب التي رآها يوسف عليه السلام ، فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل جبريل عليه السلام فأخبره بأسمائها ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهودي ، فقال : «هل أنت مؤمن إن أخبرتك بذلك ؟ قال : نعم ، قال : حربان ، والطارق ، والذيال ، وذا الكنفان ، وقابس ، ووثاب ، وعمودان والفيلق ، والمصبح ، والضروح ، وذو الفرغ ، والضياء ، والنور{[6558]} » فقال اليهودي : أي والله إنها لأسماؤها{[6559]} .

وتكرر { رأيتهم } لطول الكلام{[6560]} وجرى ضمائر هذه الكواكب في هذه الآية مجرى ضمائر من يعقل إنما كان لما وصفت بأفعال هي خاصة بمن يعقل{[6561]} .

وروي أن رؤيا يوسف كانت ليلة القدر ليلة جمعة ، وأنها خرجت بعد أربعين سنة ، وقيل : بعد ثمانين سنة .


[6556]:الآية (7) من سورة (الضحى).
[6557]:يعني: وحده من السبعة، وإلا فقد قرأ بها أبو جعفر، والأعرج كما ذكر المؤلف رحمه الله.
[6558]:اختلفت النسخ الأصلية في كتابة هذه الأسماء، وكذلك وقع اختلاف بين المفسرين في كتابتها، وقد آثرنا اختيار الأسماء التي اتفق عليها أكثر المفسرين، والاسم الأول جاء في بعض النسخ (حربان) بالراء والباء، وفي "فتح القدير" جاء (جريان) بالخاء والثاء، وضبطه "الجمل" نقلا عن "الشهاب" فقال: (جريان) بفتح الجيم وكسر الراء المهملة وتشديد الياء التحتية، أما (ذو الكتفين) فجاء في بعض التفاسير بالنون بدلا من التاء، و (عمودان) هو تثنية عمود، و (الفليق) جاء بتقديم اللام على الياء (الفيلق)، و (ذو الفرغ) بالغين المعجمة جاء في بعض النسخ بالعين المهملة، وهكذا.
[6559]:أخرجه سعيد بن منصور، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، وابن أبي حاتم، والعقيلي، وابن حبان في الضعفاء، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، وأبو نعيم والبيهقي معا في "دلائل النبوة" عن جابر. (الدر المنثور).
[6560]:قال الزمخشري: "ليس بتكرار، إنما هو كلام مستأنف وقع جوابا لسؤال مقدر، كأن يعقوب عليه السلام قال له: كيف رأيتها؟ سائلا عن حال رؤيتها، فقال: {رأيتهم لي ساجدين}. و قال الحمل مثل هذا الكلام أيضا، ثم عقب عليه بقوله: "وهذا أظهر لأنه متى دار الكلام بين الحمل على التأكيد أو التأسيس فحمله على التأسيس أولى".
[6561]:والعرب تجمع مالا يعقل جمع من يعقل إذا أنزلوه منزلته وإن كان خارجا عن الأصل، و من هذا قوله تعالى: {يأيها النمل ادخلوا مساكنكم}، وقوله: {وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون}.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ} (4)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإن كنت يا محمد لمن الغافلين عن نبأ يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، إذ قال لأبيه يعقوب بن إسحاق: {يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا}، يقول: إني رأيت في منامي أحد عشر كوكبا. وقيل: إن رؤيا الأنبياء كانت وحيا...

وقوله:"والشّمْسَ والقَمَرَ رأيْتُهُمْ لي ساجِدِينَ" يقول: والشمس والقمر رأيتهم في منامي سجودا. وقال ساجِدِين والكواكب والشمس والقمر إنما يخبر عنها بفاعلة وفاعلات، لا بالواو والنون، إنما هي علامة جمع أسماء ذكور بني آدم أو الجنّ أو الملائكة. وإنما قيل ذلك كذلك، لأن السجود من أفعال من يجمع أسماء ذكورهم بالياء والنون، أو الواو والنون، فأخرج جمع أسمائها مخرج جمع أسماء من يفعل ذلك، كما قيل: {يا أيّها النّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ}. وقال: «رأيتهم»، وقد قيل: {إني رأيت أحد عشر كوكبا}، فكرّر الفعل، وذلك على لغة من قال: كلمت أخاك كلمته، توكيدا للفعل بالتكرير.

وقد قيل: إن الكواكب الأحد عشر كانت إخوته، والشمس والقمر أبويه...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

لما ذكر يوسف -عليه السلام- رؤياه لأبيه عَلِمَ يعقوبُ- عليه السلام- صِدْقَ تعبيرها، ولذلك كان دائم التذكُّر ليوسف مدةَ غيبته، وحين تطاولتْ كان يَذْكُرُه حتى قالوا: {تَاْللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف:85] فقال: {إِنِي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [يوسف:96] فهو كان على ثقةٍ من صِدْقِ رؤياه.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: ما معنى تكرار رأيت قلت: ليس بتكرار، إنما هو كلام مستأنف على تقدير سؤال وقع جواباً له، كأن يعقوب عليه السلام قال له عند قوله: {إِنّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} كيف رأيتها سائلاً عن حال رؤيتها؟ فقال: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} فإن قلت: فلم أجريت مجرى العقلاء في رأيتهم لي ساجدين؟ قلت: لأنه لما وصفها بما هو خاص بالعقلاء وهو السجود، أجرى عليها حكمهم، كأنها عاقلة، وهذا كثير شائع في كلامهم، أن يلابس الشيء الشيء من بعض الوجوه، فيعطى حكماً من أحكامه إظهاراً لأثر الملابسة والمقاربة.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

وقال البخاري أيضا: حدثنا محمد، أخبرنا عبدة، عن عُبَيْد الله، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: سُئِل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أكرم؟ قال:"أكرمهم عند الله أتقاهم". قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: "فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله". قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: "فعن معادن العرب تسألوني؟ "قالوا: نعم. قال: "فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فَقِهوا".

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما تم ما أراد تعالى من تعليل الوصف بالمبين أبدل من قوله "أحسن القصص "قوله: {إذ} أي نقص عليك خبر إذ، أي خبر يوسف إذ {قال يوسف} أي ابن يعقوب إسرائيل الله عليهما الصلاة والسلام {لأبيه} وبين أدبه بقوله -مشيراً بأداة البعد إلى أن أباه عالي المنزلة جداً، وإلى أن الكلام الآتي مما له وقع عظيم، فينبغي أن يهتم بسماعه والجواب عليه، وغير ذلك من أمره...

ولما كان صغيراً، وكان المنام عظيماً خطيراً، اقتضى المقام التأكيد فقال: {إني رأيت} أي في منامي، فهو من الرؤيا التي هي رؤية في المنام، فرق بين حال النوم واليقظة في ذلك بألف التأنيث {أحد عشر كوكباً} أي نجماً كبيراً ظاهراً جداً مضيئاً براقاً، وفي عدم تكرار هذه القصة في القرآن رد على من قال: كررت قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تمكيناً لفصاحتها بترادف السياق، وفي تكرير قصصهم رد على من قال: إن هذه لم تكرر لئلا تفتر فصاحتها، فكأن عدم تكريرها لأن مقاصد السور لم تقتض ذلك- والله أعلم. ولما كان للنيرين اسمان يخصانهما هما في غاية الشهرة، قال معظماً لهما: {والشمس والقمر} ولما تشوفت النفس إلى الحال التي رآهم عليها، فكان كأنه قيل: على أيّ حال؟ وكانت الرؤيا باطن البصر الذي هو باطن النظر، فكان التعبير بها للإشارة إلى غرابة هذا الأمر، زاد في الإشارة إلى ذلك بإعادة الفعل، وألحقه ضمير العقلاء لتكون دلالته على كل من عجيب أمر الرؤيا ومن فعل المرئي الذي لا يعقل فعل العقلاء من وجهين فقيل: {رأيتهم لي} أي خاصة {ساجدين} أجراهم مجرى العقلاء لفعل العقلاء...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

هذا شروع في بيان أحسن القصص فهو بدل منه يشتمل عليه. والأكثرون يعدونه بدء كلام جديد يقدرون له متعلقا: اذكر أيها الرسول إذ قال يوسف لأبيه: يا أبت الخ والتاء هنا بدل من ياء المتكلم وهو مسموع من العرب في نداء الأب والأم والفصيح كسرها وسمع فتحها وضمها أيضا {إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر} في المنام بدليل ما يأتي بعد، ثم بين الصفة التي رأى عليها هذه الجماعة السماوية بقوله {رأيتهم لي ساجدين} والسجود: التطامن والانحناء الذي سببه الانقياد والخضوع أو المبالغة في التعظيم وأصله قولهم: سجد البعير- إذا خفض رأسه لراكبه عند ركوبه، وكان من عادات الناس في تحية التعظيم في بلاد فلسطين ومصر وغيرهما، واستعمل في القرآن بمعنى انقياد كل المخلوقات لإرادة الله تعالى وتسخيره وهذا سجود طبيعي غير إرادي، ولا يكون السجود عبادة إلا بالقصد والنية من الساجد للتقرب إلى من يعتقد أن له عليه سلطانا ذاتيا غيبيا فوق سلطان الأسباب المعهودة. وكان الأصل في التعبير عن سجود هذه الكواكب التي ليس لها إرادة أن يقول رأيت كذا وكذا ساجدة لي، ولكنه أراد أن يخبر والده أنه رآها ساجدة سجودا كأنه عن إرادة واختيار كسجود العقلاء المكلفين فأعاد فعل رأيت وجعل مفعوله ضمير العقلاء وجمع صفة هذا السجود جمع المذكر السالم، فعلم أبوه أن هذه رؤيا إلهام، لا يمكن أن تعد من أضغاث الأحلام، التي تثيرها في النوم الخواطر والأفكار، ولا سيما خواطر غلام صغير كيوسف يخاف أبوه أن يأكله الذئب.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

واعلم أن الله ذكر أنه يقص على رسوله أحسن القصص في هذا الكتاب، ثم ذكر هذه القصة وبسطها، وذكر ما جرى فيها، فعلم بذلك أنها قصة تامة كاملة حسنة، فمن أراد أن يكملها أو يحسنها بما يذكر في الإسرائيليات التي لا يعرف لها سند ولا ناقل وأغلبها كذب، فهو مستدرك على الله، ومكمل لشيء يزعم أنه ناقص، وحسبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد قبحا، فإن تضاعيف هذه السورة قد ملئت في كثير من التفاسير، من الأكاذيب والأمور الشنيعة المناقضة لما قصه الله تعالى بشيء كثير. فعلى العبد أن يفهم عن الله ما قصه، ويدع ما سوى ذلك مما ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم ينقل...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هذه المقدمة إشارة البدء إلى القصة.. ثم يرفع الستار عن المشهد الأول في الحلقة الأولى، لنرى يوسف الصبي يقص رؤياه على أبيه: (إذ قال يوسف لأبيه: يا أبت، إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر. رأيتهم لي ساجدين. قال: يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك، فيكيدوا لك كيدا. إن الشيطان للإنسان عدو مبين. وكذلك يجتبيك ربك، ويعلمك من تأويل الأحاديث، ويتم نعمته عليك، وعلى آل يعقوب، كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق، إن ربك عليم حكيم).. كان يوسف صبيا أو غلاما؛ وهذه الرؤيا كما وصفها لأبيه ليست من رؤى الصبية ولا الغلمان؛ وأقرب ما يراه غلام -حين تكون رؤياه صبيانية أو صدى لما يحلم به- أن يرى هذه الكواكب والشمس والقمر في حجره أو بين يديه يطولها. ولكن يوسف رآها ساجدة له، متمثلة في صورة العقلاء الذين يحنون رؤوسهم بالسجود تعظيما. والسياق يروى عنه في صيغة الإيضاح المؤكدة: (إذ قال يوسف لأبيه: يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر).. ثم يعيد لفظ رأى: (رأيتهم لي ساجدين)...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وابتداء قصة يوسف عليه السّلام بذكر رؤياه إشارة إلى أنّ الله هيّأ نفسه للنبوءة فابتدأه بالرؤيا الصّادقة كما جاء في حديث عائشة « أنّ أوّلَ ما ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلاّ جاءت مثل فَلق الصبح...». وفي ذلك تمهيد للمقصود من القصة وهو تقرير فضل يوسف عليه السّلام من طهارة وزكاء نفس وصبر. فذكر هذه الرؤيا في صدر القصّة كالمقدّمة والتّمهيد للقصّة المقصودة. وجعل الله تلك الرؤيا تنبيهاً ليوسف عليه السّلام بعلو شأنه ليتذكرها كلما حلت به ضائقة فتطمئن بها نفسه أن عاقبتهُ طيبة...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

... يستمر يوسف في قوله: {يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدي} وكلنا رأينا الشمس والقمر؛ كل في وقت ظهوره؛ لكن حلم يوسف يبين أنه رآهما معا، وكلنا رأينا الكواكب متناثرة في السماء آلافا لا حصر لها، فكيف يرى يوسف أحد عشر كوكبا فقط؟ لا بد أنهم اتصفوا بصفات خاصة ميزتهم عن غيرهم من الكواكب الأخرى؛ وأنه قام بعدهم. ورؤيا يوسف عليه السلام تبين أنه رآهم شمسا وقمرا وأحد عشر كوكبا؛ ثم رآهم بعد ذلك ساجدين. وهذا يعني أنه رآهم أولا بصفاتهم التي نرى بها الشمس والقمر والنجوم بدون سجود؛ ثم رآهم وهم ساجدون له؛ بملامح الخضوع لأمر من الله، ولذلك تكررت كلمة "رأيت "وهو ليس تكرارا، بل لإيضاح الأمر. ونجد أن كلمة {ساجدين} وهي جمع مذكر سالم؛ ولا يجمع جمع المذكر السالم إلا إذا كان المفرد عاقلا، والعقل يتميز بقدرة الاختيار بين البدائل؛ والعاقل المؤمن هو من يجعل اختياراته في الدنيا في إطار منهج الدين، وأسمى ما في الخضوع للدين هو السجود لله. ومن سجدوا ليوسف إنما سجدوا بأمر من الله، فهم إذن يعقلون أمر الحق سبحانه وتعالى...