قوله تعالى : { كأنهن بيض } جمع البيضة ، { مكنون } مصون مستور ، وإنما ذكر ( ( المكنون والبيض ) ) جمع لأنه رده إلى اللفظ . قال الحسن : شبههن ببيض النعامة تكنها بالريش من الريح والغبار حين خروجها ، فلونها أبيض في صفرة . ويقال : هذا أحسن الألوان أن تكون المرأة بيضاء مشربة صفرة ، والعرب تشبهها ببيضة النعامة .
وقوله : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ } وصفهن بترافة الأبدان بأحسن الألوان .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ } يقول : اللؤلؤ المكنون .
وينشد هاهنا بيت أبي دهبل الشاعر في قصيدة له :
وَهْيَ زَهْرَاء مثْلَ لؤلؤة الغوّ *** اص مُيِّزَتْ مِن جوهر مكْنُون{[24962]}
وقال الحسن : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ } يعني : محصون{[24963]} لم تمسه الأيدي .
وقال السدي : البيض في عشه مكنون .
وقال سعيد بن جبير : { [ كَأَنَّهُنَّ ]{[24964]} بَيْضٌ مَكْنُونٌ } ، يعني : بطن البيض{[24965]} .
وقال عطاء الخراساني : هو السحاء الذي يكون بين قشرته العليا ولباب البيضة .
وقال السدي : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ } يقول : بياض البيض حين ينزع قشره . واختاره ابن جرير لقوله : { مَكْنُونٌ } ، قال : والقشرة العليا يمسها جناح الطير والعش ، وتنالها الأيدي بخلاف داخلها ، والله أعلم .
وقال ابن جرير : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، حدثنا محمد بن الفرج الصدفي الدمياطي ، عن عمرو بن هاشم ، عن ابن أبي كريمة ، عن هشام ، عن الحسن ، عن أمه ، عن أم سلمة{[24966]} رضي الله عنها ، قلت{[24967]} : يا رسول الله ، أخبرني عن قول الله : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ }{[24968]} قال : " رقتهن كرقة الجلدة التي رأيتها في داخل البيضة ، التي تلي القشر وهي الغِرْقِئ " {[24969]} .
وقال{[24970]} ابن أبي حاتم : حدثنا أبي : حدثنا أبو غسان النهدي ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن ليث ، عن الربيع بن أنس ، عن أنس ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا ، وأنا خطيبهم إذا وفدوا ، وأنا مبشرهم إذا حزنوا ، وأنا شفيعهم إذا حبسوا ، لواء الحمد يومئذ بيدي ، وأنا أكرم ولد آدم على ربي عز وجل ولا فخر ، يطوف علي ألف خادم كأنهن البيض المكنون - أو : اللؤلؤ المكنون " {[24971]} .
وأما قوله { كأنهن بيض مكنون } فاختلف الناس في الشيء المشبه به ما هو ، فقال السدي وابن جبير شبه ألوانهن بلون قشر البيضة من النعام وزهو بياض قد خالطته صفرة حسنة ، قالوا : و «البيض » نفسه في الأغلب هو المكنون بالريش ومتى شدت به حال فلم يكن مكنوناً خرج عن أن يشبه به ، وهذا قول الحسن وابن زيد ، ومنه قول امرىء القيس : [ الطويل ]
كبكر مقاناة البياض بصفرة . . . غذاها نمير المال غير محلل{[9855]}
وهذه المعنى كثير في أشعار العرب ، وقال ابن عباس فيما حكى الطبري ، «البيض المكنون » أراد به الجوهر المصون .
قال القاضي أبو محمد : وهذا لا يصح عندي عن ابن عباس لأنه يرده اللفظ من الآية ، وقالت فرقة إنما شبههن تعالى ب «البيض المكنون » تشبيهاً عاماً جملة المرأة بجملة البيضة وأراد بذلك تناسب أجزاء المرأة وأن كل جزاء منها نسبته في الجودة إلى نوعه نسبة الآخر من أجزائه إلى نوعه فنسبة شعرها إلى عينها مستوية إذ هما غاية في نوعهما ، والبيضة أشد الأشياء تناسب أجزاء ، لأنك من حيث جئتها فالنظر فيها واحد .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم شبههن ببياض البيض الذي الصفرة في جوفه، فقال: {كأنهن بيض مكنون}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"كأنّهُنّ بَيضٌ مَكْنُونٌ" اختلف أهل التأويل في الذي به شبهن من البيض بهذا القول؛ فقال بعضهم: شبهن ببطن البيض في البياض، وهو الذي داخل القِشْر، وذلك أن ذلك لم يمسّه شيء... عن السديّ "كأنّهُنّ بَيضٌ مَكْنُونٌ "قال: البيض حين يُقْشر قبل أن تمسّه الأيدي...
وقال آخرون: بل شبهن بالبيض الذي يحضنه الطائر، فهو إلى الصفرة، فشبه بياضهنّ في الصفرة بذلك... قال ابن زيد، في قوله: "كأنّهُنّ بَيضٌ مكْنونٌ" قال: البيض الذي يُكنه الريش، مثل بيض النعام الذي قد أكنه الريش من الريح، فهو أبيض إلى الصّفْرة فكأنه يُبرُقُ، فذلك المكنون.
وقال آخرون: بل عنى بالبيض في هذا الموضع: اللؤلؤ، وبه شبهن في بياضه وصفائه...
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: شبهن في بياضهن، وأنهنّ لم يمسّهنّ قبل أزواجهنّ إنس ولا جانّ ببياض البيض الذي هو داخل القشر، وذلك هو الجلدة المُلْبَسة المُحّ قبل أن تمسه يد أو شيء غيرها، وذلك لا شكّ هو المكنون فأما القشرة العليا فإن الطائر يمسها، والأيدي تباشرها، والعُشّ يلقاها. والعرب تقول لكلّ مصون مكنون، ما كان ذلك الشيء لؤلؤا كان أو بيضا أو متاعا... وتقول لكلّ شيء أضمرته الصدور: أكنته، فهو مُكنّ.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
مستور، لا يصيبه مطر ولا ريح ولا غبار ولا شمس ولا شيء مما يصيب في الدنيا، وقال بعضهم: البيض المكنون وهو المصون، هو وصفهن بالصّون والصيانة كقوله: {حور مقصورات في الخيام} [الرحمان: 72].
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
هذا أحسن الألوان، أن تكون المرأة بيضاء مشربة صفرة، والعرب تشبهها ببيضة.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
وصفهن بترافة الأبدان بأحسن الألوان.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهن كذلك مصونات مع رقة ولطف ونعومة: (كأنهن بيض مكنون).. لا تبتذله الأيدي ولا العيون!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
البَيْض المكنون: هو بيض النعام، والنعام يُكنّ بيضَه في حُفر في الرمل ويفرش لها من دقيق ريشه، وتسمى تلك الحُفر: الأَداحِيَّ، واحدتها أُدّحية بوزن أُثفية، فيكون البَيض شديد لمعان اللون وهو أبيض مشوب بياضه بصفرة، وذلك اللون أحسن ألوان النساء، وقديماً شبهوا الحسان بِبيض النعام.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
آخر آية في بحثنا هذا تعطينا وصفاً آخر لزوجات الجنّة، إذ توضّح طهارتهنّ وقداستهن من خلال هذه العبارة (كأنّهنّ بيض مكنون) أي إنّهن نظيفات وظريفات إنّ (عباد الله المخلصين) والذين وصلوا في علومهم وإيمانهم إلى مرحلة الكمال، أعزّاء عند الله، ويشملهم اللطف الإلهي بصورة غير محدودة، ومهما تصوّرنا علو مقامهم، فإنّهم أفضل وأعلى من ذلك.