68- ومن نُطل عمره نرده من القوة إلى الضعف ، أفلا يعقلون قدرتنا على ذلك ليعلموا أن الدنيا دار فناء ، وأن الآخرة هي دار البقاء ! {[193]}
قوله تعالى : { ومن نعمره ننكسه في الخلق } قرأ عاصم ، و حمزة بالتشديد ، وقرأ الآخرون بفتح النون الأولى وضم الكاف مخففاً ، أي : نرده إلى أرذل العمر شبه الصبي في أول الخلق . وقيل : ( ( ننكسه في الخلق ) ) أي : نضعف جوارحه بعد قوتها ونردها إلى نقصانها بعد زيادتها . { أفلا يعقلون } فيعتبروا ويعلموا أن الذي قدر على تصريف أحوال الإنسان يقدر على البعث بعد الموت .
ذلك كله حين يحين الموعد الذي يستعجلون . . فأما لو تركوا في الأرض ، وعمروا طويلاً وأمهلهم الوعد المرسوم بعض حين ؛ فإنهم صائرون إلى شر يحمدون معه التعجيل . . إنهم صائرون إلى شيخوخة وهرم ، ثم إلى خرف ونكسة في الشعور والتفكير :
( ومن نعمره ننكسه في الخلق . أفلا يعقلون ) . .
والشيخوخة نكسة إلى الطفولة . بغير ملاحة الطفولة وبراءتها المحبوبة ! وما يزال الشيخ يتراجع ، وينسى ما علم ، وتضعف أعصابه ، ويضعف فكره ، ويضعف احتماله ، حتى يرتد طفلاً . ولكن الطفل محبوب اللثغة ، تبسم له القلوب والوجوه عند كل حماقة . والشيخ مجتوى لا تقال له عثرة إلا من عطف ورحمة ، وهو مثار السخرية كلما بدت عليه مخايل الطفولة وهو عجوز . وكلما استحمق وقد قوست ظهره السنون !
فهذه العاقبة كتلك تنتظر المكذبين ، الذين لا يكرمهم الله بالإيمان الراشد الكريم . .
يخبر تعالى عن ابن{[24820]} آدم أنه كلما طال عمره ردّ إلى الضعف بعد القوة والعجز بعد النشاط ، كما قال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } [ الروم : 54 ] . وقال : { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا } [ الحج : 5 ] .
والمراد من هذا - والله أعلم - الإخبارُ عن هذه الدار بأنها دار زوال وانتقال ، لا دار دوام واستقرار ؛ ولهذا قال : { أَفَلا يَعْقِلُونَ } أي : يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم ثم صيرورتهم إلى [ نفس ]{[24821]} الشَّبيبَة ، ثم إلى الشيخوخة ؛ ليعلموا أنهم خُلقوا لدار أخرى ، لا زوال لها ولا انتقال منها ، ولا محيد عنها ، وهي الدار الآخرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.