وقوله : يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بسِيماهُمْ يقول تعالى ذكره تعرف الملائكة المجرمين بعلاماتهم وسيماهم التي يسوّمهم الله بها من اسوداد الوجوه ، وازرقاق العيون . كما :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور عن معمر ، عن الحسن ، في قوله : يُعْرَفُ المُجْرِمونَ بسِيماهُمْ قال : يعرفون باسوداد الوجوه ، وزُرقة العيون .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن مروان قال : حدثنا أبو العوّام ، عن قتادة يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بسِيماهُمْ قال : زرق العيون ، سود الوجوه .
وقوله : فَيُؤْخَذُ بالنّوَاصِي والأقْدَامِ يقول تعالى ذكره : فتأخذهم الزبانية بنواصيهم وأقدامهم فتسحبهم إلى جهنم ، وتقذفهم فيها .
وقال الحسن ومجاهد : لا يسأل الملائكة عنهم ، لأنهم يعرفونهم بالسيما ، والسيما التي يعرف بها { المجرمون } هي سواد الوجوه وزرق العيون في الكفرة ، قاله الحسن . ويحتمل أن يكون غير هذا من التشويهات .
واختلف المتأولون في قوله تعالى : { فيؤخذ بالنواصي والأقدام } . فقال ابن عباس : يؤخذ كل كافر بناصيته وقدميه فيطوى يجمع كالحطب ويلقى كذلك في النار . وقال النقاش : روي أن هذا الطي على ناحية الصلب قعساً{[10837]} وقاله الضحاك . وقال آخرون : بل على ناحية الوجه ، قالوا فهذا معنى : { فيؤخذ بالنواصي والأقدام } . وقال قوم في كتاب الثعلبي : إنما يسحب الكفرة سحباً ، فبعضهم يجر بقدميه ، وبعضهم بناصيته ، فأخبر في هذه الآية أن الأخذ يكون { بالنواصي } ويكون ب { الأقدام } .
هذا استئناف بياني ناشىء عن قوله : { فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان } [ الرحمن : 39 ] ، أي يستغنى عن سؤالهم بظهور علاماتهم للملائكة ويعرفونهم بسيماهم فيؤخذون أخذ عقاب ويساقون إلى الجزاء .
والسيما : العلامة . وتقدمت في قوله تعالى : { تعرفهم بسيماهم } في آخر سورة البقرة ( 273 ) .
و ( آل ) في { بالنواصي والأقدام } عوض عن المضاف إليه ، أي بنواصيهم وأقدامهم وهو استعمال كثير في القرآن .
والنواصي : جمع ناصية وهي الشعَر الذي في مقدّم الرأس ، وتقدم في قوله تعالى : { ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها } في سورة هود ( 56 ) .
والأخذ بالناصية أخذ تمكّن لا يفلت منه ، كما قال تعالى : { لئن لم ينته لنسفعن بالناصية } [ العلق : 15 ] .
والأقدام : جَمع قَدَم ، وهو ظاهر السَّاق من حيث تمسك اليد رجل الهارب فلا يستطيع انفلاتاً وفيه أيضاً يوضع القيد ، قال النابغة :
أوْ حرة كمهاة الرمل قد كُبِلت *** فوقَ المعاصم منها والعراقيب
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
قوله: {يعرف المجرمون بسيماهم} بعد الحساب يعني بسواد الوجوه وزرقة الأعين {فيؤخذ بالنواصي والأقدام} وذلك أن خزنة جهنم بعد الحساب يغلون أيديهم إلى أعناقهم، ثم يجمعون بين نواصيهم إلى أقدامهم من ظهورهم، ثم يدفعونهم في النار على وجوههم، فإذا دنوا منها قالت لهم الخزنة: {هذه النار التي كنتم بها تكذبون} [الطور:14] في الدنيا...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بسِيماهُمْ "يقول تعالى ذكره تعرف الملائكة المجرمين بعلاماتهم وسيماهم التي يسوّمهم الله بها من اسوداد الوجوه، وازرقاق العيون...
وقوله: "فَيُؤْخَذُ بالنّوَاصِي والأقْدَامِ" يقول تعالى ذكره: فتأخذهم الزبانية بنواصيهم وأقدامهم فتسحبهم إلى جهنم، وتقذفهم فيها.
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
يعرف المجرمون بسيماهم وهو ما يعلوهم من الكآبة والحزن.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
وسيما المجرمين: سواد الوجوه وزرقة العيون...ويجوز أن يكون غير هذا من التشويهات، كالعمى والبكم والصمم. {فيؤخذ بالنواصي والأقدام}...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: بعلامات تظهر عليهم. قلت: وهذا كما يعرف المؤمنون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{يعرف} أي لكل أحد {المجرمون} أي العريقون في هذا الوصف {بسيماهم} أي العلامات التي صور الله ذنوبهم فيها فجعلها ظاهرة بعد أن كانت باطنة، وظاهرة الدلالة عليهم كما يعرف أن الليل إذا جاء لا يخفى على أحد أصلاً وكذلك النهار ونحوهما لغير الأعمى، وسبب عن هذه المعرفة قوله مشيراً بالبناء للمفعول إلى سهولة الأخذ من أي آخذ كان {فيؤخذ بالنواصي والأقدام} بعد أن يجمع بينهما كما أنهم كانوا هم يجمعون ما أمر الله به أن يفرق، ويفرقون ما أمر الله به أن يجمع، فيسحبون بها سحباً من كل ساحب أقامه الله لذلك لا يقدرون على الامتناع بوجه فيلقون في النار...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} في ما تتركه الجريمة من سمةٍ مميّزةٍ لا تترك مجالاً لأي ريب، {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأقْدَامِ} حيث تجمع الأقدام إلى الجباه، في حالةٍ من الإذلال النفسيّ الذي يتعرّضون له جزاء حالة الاستكبار والغرور التي كانت تدفعهم إلى الكفر والتمرد وتكذيب رسل الله في الدنيا،...